ديوان‮ ‬‮ ‬‮رفــ الحصانة ــع ‬

2008-09-26

رسائل من الأرض--٥


"الشيطان ليس له مساعد واحد يعمل بأجر؛ والمعارضة يوظفون مليون."


هذه ترجمة الرسالة الخامسة من سلسلة (رسائل من الأرض) للكاتب الأمريكي (مارك توين). يمكنكم الإطلاع على الأجزاء المترجمة سابقا (1) و (2) و (3) و (4)، و للإطلاع على النصوص الأصلية بالإنجليزية، نحيلكم إلى الموقع التالي.


Letters From The Earth
by Mark Twain
© Harper & Row, 1962, 1974

_/_/_/_/_/_/_/_/_/_/_/_/_/_/_/_/_/_/_/_/_/

الرسالة 5

بدأ نوح في جمع الحيوانات. وكان المطلوب زوج من كل نوع من المخلوقات التي سارت أو زحفت، أو سبحت أو طارت في عالم الطبيعة المتحركة. علينا أن نخمن طول المدة الزمنية التي استغرقها جمع المخلوقات وكم كلف، لأنه لا يوجد سجل لهذه التفاصيل. عندما كان سيماكوس يستعد لإدخال ابنه الصغير لحياة الكبار في روما الامبريالية، أرسل الرجال إلى آسيا، وافريقيا وإلى كل مكان لجمع الحيوانات البرية لساحة المعارك. واستغرق الرجال ثلاث سنوات في تجميع الحيوانات وجلبهم لروما. مجرد حيوانات ذوات الأربع وتماسيح، أفهم -- لا طيور، ولا ثعابين، ولا ضفادع، ولا ديدان، ولا قمل، ولا فئران، ولا براغيث، ولا قراد، ولا يرقات، ولا عناكب، ولا ذباب ، ولا بعوض -- لا شيء بكل بساطة سوى ذوات الأربع والتماسيح : ولا ذوات أربع ما عدا المقاتلة منها. ومع ذلك، كان الأمر كما قلت: استغرق ثلاث سنوات لجمعها، وتكلفة الحيوانات والنقل وأجور الرجال بلغت إجمالا 4,500,000 دولار.

كم عدد الحيوانات؟ لا نعرف. ولكنه كان أقل من خمسة آلاف، فقد كان هذا أكبر عدد جمع في أي وقت لتلك العروض الرومانية، وكان تيتوس جامعها، ليس سيماكوس. تلك كانت مجرد متاحف صغيرة بالمقارنة مع عقد نوح. من الطيور والبهائم ومخلوقات المياه العذبة، كان عليه أن يجمع 146,000 نوعا؛ ومن الحشرات ما يفوق مليوني نوع.

الآلاف والآلاف من تلك الكائنات صيدها صعب جدا، وإن لم يكن نوح قد تخلى واستقال لكان مشغولا حتى الآن، كما كان يقول سفر اللاويين. ولكن، أنا لا أعني أنه انسحب. كلا، لم يفعل ذلك، بل جمع عددا من المخلوقات بقدر المساحة التي توفرت لديه، ثم توقف.

لو كانت لديه دراية بجميع الشروط في البداية، لكان على علم بأن المطلوب هو أسطول من السفن. ولكنه لم يكن يعرف عدد أنواع المخلوقات، لا هو ولا رئيسه. وهكذا لم يكن معه كنغارو، ولا بوسوم، ولا وحش غيلا، ولا أورنيثورينكوس، وكان يفتقر العديد من غيرها من النعم التي لا غنى عنها، والتي كان قد وفرها الخالق المحب للإنسان ثم نسيها بعد تجوالها منذ فترة طويلة إلى جانب من هذا العالم لم يراه سابقا ولم يكن له علم بشؤونه. وهكذا كان كل منهم على قيد شعرة من الغرق.

انهم نجوا فقط بالصدفة. لم يكن هناك ما يكفي من المياه، فقد توفر فقط ما يكفي لإغراق ركن واحد صغير من أركان الأرض-- لم يكن باقي العالم معروفا آنذاك، وكان من المفترض الا يكون موجودا.

ومع ذلك ، فإن الشيء الذي جعل نوح حقا وأخيرا وبالتأكيد يتوقف عند ما يكفي من الأنواع لأغراض تجارية بحتة ويترك البقية تنقرض، كان حادث وقع خلال الأيام الأخيرة: أتى رجل غريب متحمس ببعض الأخبار المنذرة إلى أبعد الحدود. قال أنه كان مخيما بين بعض الجبال والوديان على بعد ستمائة ميل تقريبا، وانه شاهد هناك شيئا رائعا: كان واقفا على شفا جبل يطل على واد واسع، وفي الوادي رأى بحرا أسودا متموجا من الحيوانات الغريبة قادمة. بعد قليل، مرت به المخلوقات، وهي تناضل، وتقاتل، وتهرول، وتصيح، وتشخر -- حشود ضخمة مروعة من اللحوم الصاخبة! حيوان سلوث بكبر الفيل؛ ضفادع بحجم البقر؛ ميغاثيريوم بصحبة حريمه أضخم من الخيال؛ وسحالي وسحالي وسحالي، مجموعة بعد مجموعة، أسرة بعد أسرة، نوع بعد نوع -- مائة قدم طولا، ثلاثون قدم إرتفاعا، ومشاكستها بقدر الضعف؛ واحدة منهن ضربت بذيلها ثورا لا لوم عليه إطلاقا، فأرسلته يؤزّ في الهواء ثلاثمائة قدم، ثم سقط ناهتا بين قدمي الرجل ولم يعد له وجود. وقال الرجل أن هذه الحيوانات العجيبة قد سمعت عن السفينة وأنها قادمة. قادمة لكي تنجو من الفيضان. وليست قادمة أزواجا، بل كانوا جميعا قادمين: لم يعرفوا أن قائمة الركاب تقتصر على الأزواج، قال الرجل، وهم لا يعيروا القوانين أي اهتمام على أي حال -- انهم سوف يبحروا على السفينة أو يعرفوا سبب منعهم. وقال الرجل أن السفينة لن تسع نصفهم؛ وعلاوة على ذلك انهم يعانون من الجوع، وسيلتهموا كل ما كان هناك، حتى حديقة الحيوانات والعائلة.

كل هذه الحقائق طمست في رواية الكتاب المقدس. لا تجد حتى إشارة لها هناك. الأمر كله مسكوت عنه. ولا حتى أسماء تلك المخلوقات الضخمة تذكر. وهذا يبين لك أن الناس عندما يتركوا ثغرة مشبوهة في عقد، فإنهم يتسترون عنها في الأناجيل كما في أماكن أخرى. تلك الحيوانات القوية يمكن أن تكون لها قيمة لا تقدر بثمن للإنسان الآن، أمام ضغوط المواصلات الشديدة وتكاليفها، ولكنها جميعا مفقودة له. جميعها فقدت، وبسبب خطأ نوح. كلها أغرقت. بعضهم منذ ثمانية ملايين سنة مضت.

جيد جدا، الرجل الغريب حكى حكايته، ونوح رأى أنه يجب أن يفلت قبل أن تصل الوحوش. وكان يمكن أن يبحر على الفور، ولكن المنجّدين ومصممي الديكور في غرفة تزين الذبابة لا زالوا يضعون بعض اللمسات الأخيرة، وذلك أضاع منه يوما. ويوم آخر ضاع في تصعيد الذباب على متن السفينة، بحكم تواجد ثمانية وستين مليار منهم، والإله لا يزال خائفا أن العدد قد لا يكون كافيا. يوم آخر ضاع في تعبئة أربعين طنا من مختارات القذارة مؤونة للذباب.

ثم أخيرا، أبحر نوح؛ ولم يكن ذلك سابقا لأوانه، لأن السفينة كانت لتوها قد توارت خارج الأنظار في الأفق عندما وصلت الوحوش وأضافت نواحها إلى بكاء العديد من الآباء والأمهات والأطفال الصغار المرعبين الذين كانوا يتشبثوا بصخور تغسلها الأمواج تحت الأمطار الهاطلة، ويرفعوا الدعاء توسلا إلى كائن كامل العدل وكامل المغفرة وكامل الإشفاق، والذي لم يسبق له قط أن استجاب لدعاء منذ أن بنيت تلك الشناخيب، حبة بحبة من الرمال، ولن يكون قد استجاب لدعاء واحد عندما تكون العصور قد فتتها رمالا مرة أخرى.

التسميات: ,

2008-09-14

الاستبداد أمة واحدة




تحت هذا العنوان كان لنا تعليق في براكة (ليبيا اليوم) على الحلقة (٣١) من سلسلة التضليل الإسلامي تحت غطاء (الثقافة الدستورية)، والتي يقوم بنشرها الشيخ على الصلابي والسيد إسماعيل القريتلي. وهذه الحلقة كانت حول موضوع حقوق الإنسان من منظور إسلامي، وأثارت تعليقات من بعض حملة الفكر الأخضر (النيء)، المعروفين بالثوريين في الأوساط الليبية. يمكنكم الإطلاع على المقالة والتعليقات في براكة (ليبيا اليوم)، ومن بينها التعليق التالي:



من أهم شروط تمكين الأيديولوجيات الإستبدادية ومن ضرورات بقائها في السلطة، لا بد من تواجد القدرة على تزوير الواقع على رؤوس الأشهاد، ولا شك أن صناعة البروباغاندا تشكل مساحة هامة من مساحات التطابق بين الإستبداد القذافي والإستبداد الإسلامي. الثوري يتحدث عن وثيقته الخضراء التي لم تثبت لها فاعلية حتى للأغراض (التطهيرية)، والإسلامي يغني على وثائق أخرى ونصوص تاريخية من قديم الزمان. ولا يستطيع أحدهما أن يغادر المربع الأول! قالت الوثيقة، قال القائد ذات مرة؛ قال الله، قال الرسول، وانتهت الحكاية تماما مثلما ابتدأت! لاهذا في ربع قرن، ولا ذاك في أربعين يجد ما يستشهد به على حيوية هذا الفكر الإستبدادي أو ذاك، أي على قدرته على النمو خارج المربع الأول وترجمة الشعارات والمباديء التي يدعون إلى مؤسسات وعادات وتقاليد قانونية تشهد على عمق الفكر وصلاحيته وقدرته على مواجهة إمتحان الزمن بالتقدم وليس بالجمود والتحنط وإلقاء اللوم دائما على خرافة (فشل في التطبيق). تصور أن عالما من علماء الكيمياء يبرر فشل نظريته المتكرر بأنه فشل الذرات والجزيئات في التطبيق وليس فشل (النظرية الشاملة الخاتمة)، ثم يعود للمربع الأول!

في دائرة الحديث عن الحقوق، الإسلامي والثوري سيان، حالهم مثل حال (علماء) عصور الظلام الذين كانوا يعتقدون أن الشيطان يكمن في عالم المادة ولذلك لم يعتمدوا التجارب، ولا الأدلة الملموسة على وجه العموم، كوسيلة للإثبات والنفي وإنماء الحقيقة وإرساء التصديق. وعلى المستوى الرمزي هناك مثال متداول على هذا التحجر العقلي يفيد بأن (علماء) الظلام كانوا يقضون ليلة كاملة في جدل حول عدد أسنان الحمار، ولا يخطر ببال أي منهم أن يخرج من قوقعته ويفتح فم حماره ليقرر عدد أسنانه، لأن الإحتكام للعالم التطبيقي يعتبر زيغ وكفر ورجعية ورجس من رجس الشيطان. وهكذا يقتل العقل ويسجن الإنسان في متاهة المربع الأول ليجتر الفكر والأطر والمقاصد والأهداف التي أثبت الزمن فشلها بكل ما تعنيه كلمة فشل.

يحدثوننا عن مراعاة نظريتهم لكرامة الإنسان وحقه في الحياة، وهو نفس الإنسان الذي حللوا تسليعه فتوارثوه وباعوه في الأسواق وخصوه إن كان رجلا، أما الجواري فقد أسسوا جاذبيتهن التجارية على فاعليتهن الجنسية! ويحدثوننا عن المساواة! كيف يا علماء تتساوى العبدة مع مالكها، وكيف العين تتعلا على حاجبها؟ هل يستطيع الإسلاميون أن يحرموا الرجل المسلم من حقه في ملكية إنسان آخر، ذكر كان أو أنثى؟ وهل يستطيعوا أن ينكروا أن حضارتهم تجمدت بأسرها عندما قرر الإنسان أن يحرم صناعة الرقيق، لتختفي ظاهرة الجندي المملوك، والعامل المملوك، وينتقل شباب المسلمين من ما ملكت أيمانهم إلى أيمانهم المجردة؟ وهل يستطيع الإسلاميون أن يحدثونا عن المساواة التي على قدمها يقف قانون تخفيف عقوبة الجارية، لتكون نصف عقوبة المرأة الحرة؟ أي مساواة هذه؟ يا علماء الظلام: هاهو الواقع، هاهو وجه الحاج الذي حج به، وهاهو فك الحمار يمتد خلفنا ويحيط بنا من كل جانب، فأحصوا وأخبروا إن كنتم صادقين!

في المربع الأول تتكرر الشعارات الخارجة تماما عن سياقها، ومن أكثرها إستهلاكا في زنقة الحقوق طبعا مقولة (متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا) والتي يستشهد بها الإسلاميون كدليل على إحترام كرامة الإنسان وعلى المساواة وربما حتى دليل على أن عمر بن الخطاب اخترع الإنترنت! لماذا يقتطعون هذه المقولة من سياقها وإطارها الإجتماعي المعاصر؟ لأنها صناعة البروباغاندا ومتطلبات التضليل. نحن نسألهم بواقعية: عندما أطلقت هذه العبارة، كم كان يملك قائلها من العبيد والجواري؟ لا يمكن لعاقل أن يهضم هذه المقولة إلا بالنظر لها في سياقها ومقامها الصحيح، ومن ثم يستوعب - العاقل - أن السائل لا يستنكر حق إستعباد الناس على الإطلاق، وإنما المغزى الحقيقي هو استنكار الخروج على قانون الاستعباد. وهكذا يكون تقدير الكلام من منطلقه الصحيح: (لا مانع لدينا أن تستعبدوا الإنسان المؤهل شرعيا للاستعباد، ولكن متى استعبدتم الغير مؤهلين؟) شتان بين الحقيقة وبين بروباغاندا الظلاميين!




التسميات: ,

الجمال وعين الناظر

هل لاحظت يا عزيزي القاريء تدني وجمود المستوى الفني في إخراج بطاقات المعايدة والتهاني الخاصة بالمناسبات الإسلامية؟ لا أعتقد أن هذه الصناعة تطورت، ولا تختلف منتجاتها الإلكترونية عن سابقاتها من العصور الورقية، فهي تكاد تكون مجرد إعادة تعليب لنفس المواد. إذا ما فائدة هذه الصناعة؟ أعتقد أن فائدتها الوحيدة هي عرض القيم التي تقف ورائها والمعايير الجمالية في ثقافة تناست معنى الجمال.


صادفتني هذه الصورة الدعائية على رأس مقالة نشرتها براكة (جيل ليبيا)، ولكن الصورة من منتجات براكة (الليبية) الإذاعية، فكان لي التعليق التالي، وقد تتكرم براكة (جيل ليبيا) بنشره فيما بعد:

جمال الحرية يظهر بأوضح شكل في أقبح الأعمال. كم مرة وردت كلمة (الدين) والله والرسول وغيرها من المصطلحات الأيديولوجية في هذه المقالة الدعائية؟ كل ذلك لا يعكس مثقال ذرة من العمل الحر، بل مجرد عرض آلي لا يتغير أبدا ولا يمت لحقيقة الحياة لا في ليبيا ولا في المريخ. ما يعكس الحقيقة هي العفسات التلقائية، والتي تمثلها هنا الصورة الدعائية المعروضة على رأس المقالة، وهي بمثابة الربيع للناظر من فم الدار بعين العقل!

(رمضان كريم)، يقول المصمم الذي يعكس إفلاس ثقافته بوضوح شديد، ومن حيث لا يدري، بينما تبدو مقولته وكأنها في محراب بين هديتين ملفوفتين بشكل أنيق وتصميم معهود استهلاكه في المناسبات المسيحية، يرمز إلى الصليب بإنحياز تقاطع الأشرطة الذهبية إلى جانب. ما علاقة هذه الرمزية بالشهر أو حتى السيد (رمضان كريم)؟ لاشيء على الإطلاق، ولكن الإخراج الحر يعكس بإخلاص لا إرادي الواقع الثقافي والإفلاس الأخلاقي المستشري خلف الأقنعة الإجتماعية. من الواضح أن إخراج هذه الصورة تم عن طريق (قص-لصق) وهو طريق مقبول إلى أبعد الحدود في الثقافات المفلسة، ويعكس القيم الحقيقية لتلك الثقافات ومدى تفهمها للإبداع والملكية والأصالة. وهكذا تكون معايير الجمال عندما يفقد الإنسان حاسية القيم.

التسميات: ,