(رسائل من الأرض)
هذه بداية محاولة متواضعة لترجمة أجزاء من (رسائل من الأرض) إلى اللسان المتجلط (العربية)، تلك الروائع التي سطرها الكاتب والناقد الإجتماعي الأمريكي (مارك توين) في بداية القرن العشرين. وقد إشتهر توين بالحكم والأقوال التي أصبحت متداولة على مستوى ثقافي وشعبي، والتي تعبر بشكل موجز مرح عن مفاهيم عميقة غائرة. (سيرة مارك توين المختصرة)
للإطلاع على النص الأصلي بالإنجليزية، نحيلكم إلى الموقع التالي.
عندما انتهى الخالق من التفكير ، قال : "لقد فكرت. ها!"
رفع يده ، ومنها تفجرت ينبوع ترش النار، مليون شمس هائلة، فطرت السواد وارتفعت بعيدا وبعيدا وبعيدا، حجمها وبريقها في تناقص بينما تثقب حدود الفضاء البعيدة، إلى أن صارت في النهاية رؤوس مسامير ماسية تتألق تحت قبة سقف الكون الشاسعة.
وفي نهاية ساعة فُض المجلس الأعلى.
تركوا الحضرة الإلهية معجبين ومحملين بالأفكار، وذهبوا إلى مكان خاص، حيث يمكن أن يتحدثوا بحرية.
لم يبد أن أحد الثلاثة كان راغبا في البدء، رغم أنهم جميعا أرادوا أن يبادر أحد ما بالحديث. كان كل منهم يحترق توقا لمناقشة الحدث العظيم، ولكن يفضل أن لا يلزم نفسه حتى يتعرف على نظرة الآخرين. لذلك دار بعض الحديث المتقطع بلا هدف، حول أمور لا طائل منها، وجر على طول مضجر دون الوصول إلى أية غاية، إلى أن جمع الملاك (الشيطان) شجاعته--والتي كان له منها نصيب وافر-- وخرق الصمت، قائلا: "إننا نعرف ما نحن هنا بصدد الحديث عنه، يا سادتي، فمن الأفضل أن نضع التكلف جانبا، ولنبدأ. إذا كان هذا هو رأي المجلس--"
"هذا هو، هذا هو،" قاطع جبريل وميخائيل بإمتنان.
"جيد جدا، إذن، فلنباشر. لقد شهدنا شيئا رائعا؛ على ذلك نحن بالضرورة متفقون. اما بالنسبة لقيمته--إذا كانت هناك أية قيمة -- فذلك أمر لا يهمنا شخصيا. يمكن أن تتعدد آراءنا بشأنه كما نشاء، وتلك هي حدودنا. ليس لدينا اي تصويت. أنا أعتقد أن الفضاء كان جيدا بما فيه الكفاية، كما كان، ومفيدا ايضا. بارد مظلم-- مكان مريح، بين الحين والآخر، بعد موسم من الطقس المفرط النعومة والروائع المنهكة في الجنة. ولكن هذه تفاصيل لا إعتبار لها؛ السمة الجديدة، السمة الهائلة، هي--ماذا، أيها السادة؟"
"إختراع وعرض قانون تلقائي، بدون رقيب، منتظم ذاتيا، للتحكم في أعداد كبيرة من الشموس والعالمين الدائرة المتسابقة."
"هذا هو،" قال الشيطان. "أنتم رأيتم أنها فكرة رائعة. لم يسبق لها مثيل من (الفكر السيد). قانون-- قانون تلقائي -- دقيق وثابت-- لا يتطلب أية مراقبة ولا أي تصحيح ولا تعديل إبان الخلود. قال جلالته أن تلك الأجرام الضخمة التي لاتحصى ستغوص عبر خلائات الفضاء عصورا وعصور، بسرعة لا يمكن تصورها، على مدارات هائلة، ورغم ذلك لا تصطدم أبدا، ولا تطول ولا تقصر فترات مدارها بقدر جزء من مائة من الثانية في ألفي عام! هذه هي المعجزة الجديدة، وأعظم المعجزات-- القانون التلقائي.. وأطلق عليه إسما --قانون الطبيعة-- وقال أن القانون الطبيعي هو قانون الله-- أسماء متبادلة لشيء واحد."
"نعم،" قال ميخائيل، "وقال أنه سينشيء القانون الطبيعي--قانون الله--في جميع مواطن حكمه، وسلطته ينبغي أن تكون العليا ولا تخرق حرمتها."
"أيضا،" قال جبريل، "قال أنه سيخلق حيوانات وسيضعهم بالمثل تحت سلطة هذا القانون."
"نعم،" قال الشيطان، "سمعته ولم أفهم. ما هي الحيوانات يا جبريل؟"
"أه، كيف لي أن أعرف؟ كيف لأي منا أن يعرف؟ إنها كلمة جديدة."
(فترة ثلاثة قرون، بالتوقيت السماوي-- ما يعادل مئة مليون عام بالتوقيت الأرضي. دخول ملاك الرسائل)
"يا سادتي، إنه يصنع الحيوانات. هل يطيب لكم أن تأتوا وتشاهدوا؟"
ذهبوا، وشاهدوا، واحتاروا--حيرة عميقة-- لاحظها الخالق وقال: "أسأل. سأجيب."
"إلهي،" قال الشيطان ساجدا، "ما الغرض منهم؟"
"إنها تجربة في الأخلاق والسلوك. راقبوهم وخذوا التعليمات."
هناك آلاف منهم، وكانوا ملآنين نشاطا. مشغولون، جميعهم مشغولون -- بإضطهاد بعضهم البعض أساسا. لاحظ الشيطان--بعد فحص أحدهم من خلال مجهر قوي: "هذا الوحش الكبير يقتل الحيوانات الأضعف، يا إلهي."
"النمر--نعم. قانون طبيعته هي الوحشية. قانون طبيعته هو قانون الله. لا يستطيع أن يعصيه."
"إذن، بطاعته لا يرتكب ذنبا، يا إلهي؟"
"كلا، لا حرج عليه."
"هذا المخلوق الآخر، هنا، إنه خجول، يا إلهي، ويعاني الموت دون مقاومة."
"الأرنب--نعم. هو فاقد الشجاعة. إنه قانون طبيعته--قانون الله. لا بد أن يطيعه."
"إذن لا يمكن أن يطالب بشكل شريف أن يتعارض مع طبيعته ويقاوم، يا إلهي؟"
"كلا، لا يمكن بشكل شريف أن يطالب أي مخلوق بأن يتعارض مع فطرته-- قانون الله."
بعد فترة طويلة وتساؤلات كثيرة، قال الشيطان: "العنكبوت يقتل الذبابة، ويأكلها. العصفور يقتل العنكبوت ويأكله؛ القط البري يقتل الأوزة؛ الـ --حسنا، إنهم جميعا يقتلون بعضهم البعض.. إنه إغتيال على طول الخط. هاهنا مجموعات غفيرة لاتحصى من المخلوقات، وكلها تقتل وتقتل وتقتل. كلهم قتلة، ولا لوم عليهم يا مولاي؟"
"لا لوم عليهم. إنه قانون طبيعتهم. ودائما قانون الطبيعة هو قانون الله--إنتبه--ها! مخلوق جديد--وتحفة--الإنسان!"
رجال ونساء وأطفال جاؤوا يعجون أسرابا، قطعانا، بالملايين.
"ماذا ستفعل بهم يا إلهي؟"
"ضع في كل فرد، وبدرجات وأطياف مختلفة، جميع الصفات الأخلاقية المتنوعة، بالجملة، والتي وزعت في عالم الحيوانات غير الناطقة كل سمة مميزة على حدة--الشجاعة، الجبن، الشراسة، الدماثة، الإنصاف، العدالة، الخداع، الغدر، الشهامة، القسوة، الخبث، الشهوة، الرحمة، الشفقة، النقاء، الأنانية، الحلاوة، الشرف، الحب، الكراهية، الخسة، النبل، الإخلاص، البطلان، الصدق، الكذب -- كل إنسان سيحمل كل هذه الصفات في شخصه. وهي التي ستشكل طبيعته. في البعض، ستكون هناك سمات راقية تغمر أشرارهم، وأولئك سيعرفون بالصالحين؛ وفي آخرين، ستسود السمات الشريرة، وأولئك سيعرفون بالسيئين. إنتبه--ها--إختفوا!"
"إلى أين هم ذهبوا ، إلهي؟"
"إلى الأرض -- هم وجميع زملائهم من الحيوانات".
"ما هي الأرض؟"
"كرة صغيرة صنعتها منذ زمن... زمنين ونصف زمن. أنتم رأيتوها ولكن لم تلاحظوها في إنفجار الكواكب والشموس التي تدفقت من يدي. الإنسان تجربة، والحيوانات الأخرى تجربة أخرى. والزمن كفيل بأن يرينا ما إذا كانوا جديرين بالعناء. إنتهى العرض، ولكم الإذن بالخروج يا سادة."
مرت عدة أيام. هذا يعني فترة طويلة من زمنـ(نا)، لأن اليوم في الجنة يساوي ألف سنة. الشيطان كان يبدي إعجابه في ملاحظات حول بعض صناعات الخالق المتألقة--ملاحظات يجري فيها التهكم بين السطور. وكان قد أسر بها لأصحابه الأمناء، كبار الملائكة الآخرين، لكن بعض الملائكة العاديين سمعوا ونقلوا الخبر إلى مقر القيادة. جاء الأمر بنفيه لمدة يوم--من أيام السماء. وكان عقابا تعود عليه بسبب مرونة لسانه. وقد تم ترحيله سابقا إلى الفضاء، لأنه لايوجد مكان آخر لإرساله، وكان قد رفرف ضاجرا هناك في الليل الأبدي والبرد القطبي؛ أما الآن فقد خطر بباله أن يتمادى ويتصيد الأرض ليرى تطورات تجربة الإنسان.
ومع مرور الزمن راسل الوطن--بإستتار شديد--ليخبر عنها سيدنا ميخائيل وسيدنا جبريل.
هذا مكان غريب، خارق للعادة، ومثير للإهتمام. ليس له شبيه في الوطن. الناس كلهم مجانين، والحيوانات الأخرى كلها مجانين. الأرض مجنونة. الطبيعة ذاتها مجنونة. الإنسان فزورة رائعة. في أحسن أحواله، هو ملاك من النوع الرديء المطلي بالنيكل، وفي اسوأ أحواله لا يوصف، ولا يمكن تصوره؛ وأولا وأخيرا ودائما هو مدعاة للتهكم. ولكنه بكل برودة وبكل إخلاص يطلق على نفسه اسم "أنبل أعمال الله". هذه هي الحقيقة، انا اقول لك. وهذه ليست فكرة جديدة عنده، فقد تحدث بها خلال جميع العصور، وصدقها. نعم، صدقها، ولم يجد أحدا بين جميع بني جلدته ليسخر منها.
علاوة على ذلك -- اذا جاز لي وضع ضغط آخر عليكم -- يظن انه هو أليف الخالق. يؤمن بأن الخالق فخور به؛ بل حتى بأن الخالق يحبه؛ ويتقد توقا إليه؛ يسهر الليالي معجبا به؛ نعم، يرعاه ويقيه من المحن. هو يصلي لله، ويعتقد انه سميع. أليست هذه فكرة حلوة؟ يملأ صلواته لله بالتملق العاري الركيك، ويعتقد أنه يجلس مقرقرا مع هذه الأتراف ويتلذذ بها. يدعو من اجل المساعدة، والمحاباة، والحماية، كل يوم؛ ويفعل ذلك بأمل وثقة أيضا، رغم أنه لم يستجاب له دعاء واحد قط. الإهانة اليومية، الهزيمة اليومية، لا تثنيه، فهو يمضي في صلاته بلا تغير. ثمة شيء قريب من الرقي في هذه المثابرة. ولا بد لي من طرح المزيد من الضغط عليكم: انه يعتقد انه ذاهب الى الجنة!
عنده معلمون يتقاضون رواتب وهم من يخبره بذلك. كما أنهم يخبروه بأن هناك جحيم من نار أبدية، وانه سيذهب إليه إذا لم يتبع الوصايا. ما هي الوصايا؟ إنها مثارة فضول. سأخبركم عنها لاحقا.
--يتبع
للإطلاع على النص الأصلي بالإنجليزية، نحيلكم إلى الموقع التالي.
رسائل من الأرض
الخالق إستوى على العرش، يفكر. خلفه امتدت قارة السماء، غارقة في الضوء والألوان؛ وبين يديه قام ليل الفضاء الأسود، مثل الجدار. شمخ كلكله العظيم كالجبل الوعر صوب الذروة، وتوهج رأسه الإلهي هناك مثل الشمس النائية. عند قدميه وقف ثلاثة عمالقة، تقلصوا الى درجة التلاشي، تقريبا، بالمقارنة -- رؤساء الملائكة -- رؤوسهم على مستوى كاحله.عندما انتهى الخالق من التفكير ، قال : "لقد فكرت. ها!"
رفع يده ، ومنها تفجرت ينبوع ترش النار، مليون شمس هائلة، فطرت السواد وارتفعت بعيدا وبعيدا وبعيدا، حجمها وبريقها في تناقص بينما تثقب حدود الفضاء البعيدة، إلى أن صارت في النهاية رؤوس مسامير ماسية تتألق تحت قبة سقف الكون الشاسعة.
وفي نهاية ساعة فُض المجلس الأعلى.
تركوا الحضرة الإلهية معجبين ومحملين بالأفكار، وذهبوا إلى مكان خاص، حيث يمكن أن يتحدثوا بحرية.
لم يبد أن أحد الثلاثة كان راغبا في البدء، رغم أنهم جميعا أرادوا أن يبادر أحد ما بالحديث. كان كل منهم يحترق توقا لمناقشة الحدث العظيم، ولكن يفضل أن لا يلزم نفسه حتى يتعرف على نظرة الآخرين. لذلك دار بعض الحديث المتقطع بلا هدف، حول أمور لا طائل منها، وجر على طول مضجر دون الوصول إلى أية غاية، إلى أن جمع الملاك (الشيطان) شجاعته--والتي كان له منها نصيب وافر-- وخرق الصمت، قائلا: "إننا نعرف ما نحن هنا بصدد الحديث عنه، يا سادتي، فمن الأفضل أن نضع التكلف جانبا، ولنبدأ. إذا كان هذا هو رأي المجلس--"
"هذا هو، هذا هو،" قاطع جبريل وميخائيل بإمتنان.
"جيد جدا، إذن، فلنباشر. لقد شهدنا شيئا رائعا؛ على ذلك نحن بالضرورة متفقون. اما بالنسبة لقيمته--إذا كانت هناك أية قيمة -- فذلك أمر لا يهمنا شخصيا. يمكن أن تتعدد آراءنا بشأنه كما نشاء، وتلك هي حدودنا. ليس لدينا اي تصويت. أنا أعتقد أن الفضاء كان جيدا بما فيه الكفاية، كما كان، ومفيدا ايضا. بارد مظلم-- مكان مريح، بين الحين والآخر، بعد موسم من الطقس المفرط النعومة والروائع المنهكة في الجنة. ولكن هذه تفاصيل لا إعتبار لها؛ السمة الجديدة، السمة الهائلة، هي--ماذا، أيها السادة؟"
"إختراع وعرض قانون تلقائي، بدون رقيب، منتظم ذاتيا، للتحكم في أعداد كبيرة من الشموس والعالمين الدائرة المتسابقة."
"هذا هو،" قال الشيطان. "أنتم رأيتم أنها فكرة رائعة. لم يسبق لها مثيل من (الفكر السيد). قانون-- قانون تلقائي -- دقيق وثابت-- لا يتطلب أية مراقبة ولا أي تصحيح ولا تعديل إبان الخلود. قال جلالته أن تلك الأجرام الضخمة التي لاتحصى ستغوص عبر خلائات الفضاء عصورا وعصور، بسرعة لا يمكن تصورها، على مدارات هائلة، ورغم ذلك لا تصطدم أبدا، ولا تطول ولا تقصر فترات مدارها بقدر جزء من مائة من الثانية في ألفي عام! هذه هي المعجزة الجديدة، وأعظم المعجزات-- القانون التلقائي.. وأطلق عليه إسما --قانون الطبيعة-- وقال أن القانون الطبيعي هو قانون الله-- أسماء متبادلة لشيء واحد."
"نعم،" قال ميخائيل، "وقال أنه سينشيء القانون الطبيعي--قانون الله--في جميع مواطن حكمه، وسلطته ينبغي أن تكون العليا ولا تخرق حرمتها."
"أيضا،" قال جبريل، "قال أنه سيخلق حيوانات وسيضعهم بالمثل تحت سلطة هذا القانون."
"نعم،" قال الشيطان، "سمعته ولم أفهم. ما هي الحيوانات يا جبريل؟"
"أه، كيف لي أن أعرف؟ كيف لأي منا أن يعرف؟ إنها كلمة جديدة."
(فترة ثلاثة قرون، بالتوقيت السماوي-- ما يعادل مئة مليون عام بالتوقيت الأرضي. دخول ملاك الرسائل)
"يا سادتي، إنه يصنع الحيوانات. هل يطيب لكم أن تأتوا وتشاهدوا؟"
ذهبوا، وشاهدوا، واحتاروا--حيرة عميقة-- لاحظها الخالق وقال: "أسأل. سأجيب."
"إلهي،" قال الشيطان ساجدا، "ما الغرض منهم؟"
"إنها تجربة في الأخلاق والسلوك. راقبوهم وخذوا التعليمات."
هناك آلاف منهم، وكانوا ملآنين نشاطا. مشغولون، جميعهم مشغولون -- بإضطهاد بعضهم البعض أساسا. لاحظ الشيطان--بعد فحص أحدهم من خلال مجهر قوي: "هذا الوحش الكبير يقتل الحيوانات الأضعف، يا إلهي."
"النمر--نعم. قانون طبيعته هي الوحشية. قانون طبيعته هو قانون الله. لا يستطيع أن يعصيه."
"إذن، بطاعته لا يرتكب ذنبا، يا إلهي؟"
"كلا، لا حرج عليه."
"هذا المخلوق الآخر، هنا، إنه خجول، يا إلهي، ويعاني الموت دون مقاومة."
"الأرنب--نعم. هو فاقد الشجاعة. إنه قانون طبيعته--قانون الله. لا بد أن يطيعه."
"إذن لا يمكن أن يطالب بشكل شريف أن يتعارض مع طبيعته ويقاوم، يا إلهي؟"
"كلا، لا يمكن بشكل شريف أن يطالب أي مخلوق بأن يتعارض مع فطرته-- قانون الله."
بعد فترة طويلة وتساؤلات كثيرة، قال الشيطان: "العنكبوت يقتل الذبابة، ويأكلها. العصفور يقتل العنكبوت ويأكله؛ القط البري يقتل الأوزة؛ الـ --حسنا، إنهم جميعا يقتلون بعضهم البعض.. إنه إغتيال على طول الخط. هاهنا مجموعات غفيرة لاتحصى من المخلوقات، وكلها تقتل وتقتل وتقتل. كلهم قتلة، ولا لوم عليهم يا مولاي؟"
"لا لوم عليهم. إنه قانون طبيعتهم. ودائما قانون الطبيعة هو قانون الله--إنتبه--ها! مخلوق جديد--وتحفة--الإنسان!"
رجال ونساء وأطفال جاؤوا يعجون أسرابا، قطعانا، بالملايين.
"ماذا ستفعل بهم يا إلهي؟"
"ضع في كل فرد، وبدرجات وأطياف مختلفة، جميع الصفات الأخلاقية المتنوعة، بالجملة، والتي وزعت في عالم الحيوانات غير الناطقة كل سمة مميزة على حدة--الشجاعة، الجبن، الشراسة، الدماثة، الإنصاف، العدالة، الخداع، الغدر، الشهامة، القسوة، الخبث، الشهوة، الرحمة، الشفقة، النقاء، الأنانية، الحلاوة، الشرف، الحب، الكراهية، الخسة، النبل، الإخلاص، البطلان، الصدق، الكذب -- كل إنسان سيحمل كل هذه الصفات في شخصه. وهي التي ستشكل طبيعته. في البعض، ستكون هناك سمات راقية تغمر أشرارهم، وأولئك سيعرفون بالصالحين؛ وفي آخرين، ستسود السمات الشريرة، وأولئك سيعرفون بالسيئين. إنتبه--ها--إختفوا!"
"إلى أين هم ذهبوا ، إلهي؟"
"إلى الأرض -- هم وجميع زملائهم من الحيوانات".
"ما هي الأرض؟"
"كرة صغيرة صنعتها منذ زمن... زمنين ونصف زمن. أنتم رأيتوها ولكن لم تلاحظوها في إنفجار الكواكب والشموس التي تدفقت من يدي. الإنسان تجربة، والحيوانات الأخرى تجربة أخرى. والزمن كفيل بأن يرينا ما إذا كانوا جديرين بالعناء. إنتهى العرض، ولكم الإذن بالخروج يا سادة."
مرت عدة أيام. هذا يعني فترة طويلة من زمنـ(نا)، لأن اليوم في الجنة يساوي ألف سنة. الشيطان كان يبدي إعجابه في ملاحظات حول بعض صناعات الخالق المتألقة--ملاحظات يجري فيها التهكم بين السطور. وكان قد أسر بها لأصحابه الأمناء، كبار الملائكة الآخرين، لكن بعض الملائكة العاديين سمعوا ونقلوا الخبر إلى مقر القيادة. جاء الأمر بنفيه لمدة يوم--من أيام السماء. وكان عقابا تعود عليه بسبب مرونة لسانه. وقد تم ترحيله سابقا إلى الفضاء، لأنه لايوجد مكان آخر لإرساله، وكان قد رفرف ضاجرا هناك في الليل الأبدي والبرد القطبي؛ أما الآن فقد خطر بباله أن يتمادى ويتصيد الأرض ليرى تطورات تجربة الإنسان.
ومع مرور الزمن راسل الوطن--بإستتار شديد--ليخبر عنها سيدنا ميخائيل وسيدنا جبريل.
رسالة الشيطان
هذا مكان غريب، خارق للعادة، ومثير للإهتمام. ليس له شبيه في الوطن. الناس كلهم مجانين، والحيوانات الأخرى كلها مجانين. الأرض مجنونة. الطبيعة ذاتها مجنونة. الإنسان فزورة رائعة. في أحسن أحواله، هو ملاك من النوع الرديء المطلي بالنيكل، وفي اسوأ أحواله لا يوصف، ولا يمكن تصوره؛ وأولا وأخيرا ودائما هو مدعاة للتهكم. ولكنه بكل برودة وبكل إخلاص يطلق على نفسه اسم "أنبل أعمال الله". هذه هي الحقيقة، انا اقول لك. وهذه ليست فكرة جديدة عنده، فقد تحدث بها خلال جميع العصور، وصدقها. نعم، صدقها، ولم يجد أحدا بين جميع بني جلدته ليسخر منها.
علاوة على ذلك -- اذا جاز لي وضع ضغط آخر عليكم -- يظن انه هو أليف الخالق. يؤمن بأن الخالق فخور به؛ بل حتى بأن الخالق يحبه؛ ويتقد توقا إليه؛ يسهر الليالي معجبا به؛ نعم، يرعاه ويقيه من المحن. هو يصلي لله، ويعتقد انه سميع. أليست هذه فكرة حلوة؟ يملأ صلواته لله بالتملق العاري الركيك، ويعتقد أنه يجلس مقرقرا مع هذه الأتراف ويتلذذ بها. يدعو من اجل المساعدة، والمحاباة، والحماية، كل يوم؛ ويفعل ذلك بأمل وثقة أيضا، رغم أنه لم يستجاب له دعاء واحد قط. الإهانة اليومية، الهزيمة اليومية، لا تثنيه، فهو يمضي في صلاته بلا تغير. ثمة شيء قريب من الرقي في هذه المثابرة. ولا بد لي من طرح المزيد من الضغط عليكم: انه يعتقد انه ذاهب الى الجنة!
عنده معلمون يتقاضون رواتب وهم من يخبره بذلك. كما أنهم يخبروه بأن هناك جحيم من نار أبدية، وانه سيذهب إليه إذا لم يتبع الوصايا. ما هي الوصايا؟ إنها مثارة فضول. سأخبركم عنها لاحقا.
--يتبع
-----------------------------
عدلت الترجمة بتاريخ ٢٢ مارس ٢٠١٠.
التسميات: ترجمة, رسائل من الأرض
0 تعليقات:
إرسال تعليق
عودة إلى المدخل