ديوان‮ ‬‮ ‬‮رفــ الحصانة ــع ‬

2009-05-31

عملاق الأخدود يسمو على أقزام الجبل

صورة متداولة ولكنها من نوع نادر جدا. إنها صورة ملونة لبطل ليبي.

(فتحي الجهمي من داخل أوكار هيئة الأمن الداخلي الليبي، بتاريخ ١٠ مايو ٢٠٠٥. المصدر: منظمة أطباء من أجل حقوق الإنسان.)

فتحي الجهمي
ميلاد: مصر، ١٩٤١
وفاة: الأردن، ٢٠٠٩
حياة: ليبيا، إلى الأبد

يقال: قد يظهر أمامك عملاق في قاع حفرة، أو قزم على رأس جبل، ولكن عين العقل لا تنخدع في التمييز بينهما.

فتحي الجهمي إنسان ليبي عادي نال ما يسمى بـ (١٥ دقيقة في دائرة الأضواء)، فماذا فعل؟ مارس حرية الكلمة، وطالب بحرية النقد والإختلاف والتنوع داخل حدود الوحدة وتحت مظلة المساواة. كلماته مسجلة، كتابة وصوتا. مفرداته لم تخرج أبدا من دائرة ما يكرره الليبيون عامة في حياتهم اليومية. ولكنه كان الإنسان البسيط، الإنسان الفرد، المواطن الذي أبى تزوير الحقيقة على رؤوس الأشهاد، فصاح: الإمبراطور عريان! خطورة فتحي كانت في بساطة كلماته وعملية مطالبه وعلاقتها بحياة المواطن العادي. لم تدفعه أيديولوجية معينة، ولا أجندة سياسية منظمة. لم يتحدث بمفردات أيديولوجية غامضة مثل (الإصلاح) أو (الجهاد) أو (الإحتقان) أو غيرها. العصابة الحاكمة في ليبيا سجنته في عزلة عن العالم، وبعد أن فشلت تماما في ردعه، إتهمته بالجنون وشككت في ليبيته، وبلغ بها الإفلاس إلى أن أعلنت الإفراج عنه كذبا لتستمر في تعذيبه طبيا لمدة سنة كاملة بعد ذلك. العصابة الحاكمة قالت منذ عام أن الجهمي لا يعي ما يقول، وهي نفس العصابة التي تذهب إلى أبعد الحدود لتعرض معارضيها وهم يعترفون بضلالهم أو يعلنون توبتهم ويتعهدون بالولاء والعمل داخل بيت الطاعة، الذي أصبح يسمى أخيرا (بيت التنمية). نعم، بعد أشرطة الفيديو والإعترافات القسرية من المعارضين الذين تبدو علامات التعذيب على وجوههم، تطورت أساليب العصابة الحاكمة إلى ما يسمى (حوارات السجون) و (مراجعات)، تأتي بعدها رسائل التوسل والإمتنان مكتوبة بخط اليد الجميل (يا سلام!) لتعلن أن النجل أخ كريم وابن أخ كريم! لو أن الجهمي كان يهذي بلا عقل، فما الذي منع العصابة من وضعه أمام كاميرا ليشوه صورته بنفسه وبدون أي أتعاب أو تكاليف؟ كلا يا سادة! العصابة لم تتمكن أبدا من تشويه الجهمي، ولذلك عزلته عن العالم. ولكن عزله بعد أن كان قد أدلى بما لديه أمام العالم هو ما حفظ سجله وذكراه نقية غير مشوهة إطلاقا بتقلبات السياسة والمد والجزر الذي قد ينتج عنها. نعم، من أهم مميزات الجهمي أن قضيته ونشاطه بكامله مسجل، وهو تسجيل حي غير منقول عن هذا المصدر أو ذاك، ولم يتغير ولم يتشوه، ومن جراءه دفع الجهمي حياته، ولكنه أبدا لم ينكسر.

بقى أن نضيف نقطة أخرى مهمة ومتميزة في قضية الجهمي. لا شك أن الكثير من الليبيين تعامل مع القضية ولكن بشكل محدود، ولا شك أن العديد من الجهات، الليبية والأجنبية، استغلت قضية الجهمي بشكل أو آخر. ولكنني لن ألوث هذا المقام بذكرهم، وسأكتفي بذكر أكبر عامل في إثارة قضية فتحي الجهمي على الدوام والدفع بها إلى أرقى المستويات العالمية، ألا وهو السيد محمد الجهمي، الذي أعتز بصداقته أمام أولادي وأكن له الإحترام والشكر عندما يسألونني: هل لديك صورة ملونة لبطل ليبي؟

التسميات: , ,

2009-05-20

شحوبة تشتد إصفرارا

لا أدري ما دفعني إلى تدوين هذا الحدث، ولكنه حدث تاريخي مهم. هذا العام، في بريطانيا، سجلت أغنية (Whiter Shade of Pale) رقما قياسيا، حين أصبحت أكثر الأغاني سماعا في بريطانيا منذ ٧٥ عاما! وبالنظر إلى أهمية الثقافة البريطانية وأثرها في الموسيقى الحديثة على المستوى العالمي، ربما يجوز لنا أن نعتبر هذه القطعة أغنية القرن العشرين.

طبعا، لا غرابة في أن تكون أغنية ما في الصدارة، ولكن أن تكون هذه الأغنية بالذات في المقدمة وعلى مستوى تاريخي وثقافي بكبر وثراء بريطانيا، فهذا شيء جدير بالتدوين. لماذا نستغرب؟ لأن الأغنية إشتهرت بكلماتها بقدر ما إشتهرت بكونها مثال مبكر من طابع موسيقي جديد (الروك التقدمي). نعم، الغرابة تكمن في أن كلمات هذه الأغنية لا تعني شيئا في ظاهرها، وقد إختلف الناس في تأويلها، أو تفسير معناها الباطني. هناك من يقول أنها إعادة إنتاج قصيدة قديمة تدور حول حفل أقامه الشيطان مع بعض الساحرات. وهناك من يقول أنها ترمز إلى الإنتشاء والهلوسة التي تنتج عن تعاطي مخذر (LSD)، أو ما يسميه البعض (عقار النبوة) -- كيخ كيخ كيخ! الأغنية أصبحت مادة فنية، من فئة الفن التجريدي، لها تناسق غير معقول ولكن لها وقع محبوب على الأنفس. ولذا سألت النفس: كيف يكون وقعها إن ترجمت إلى لغة أخرى؟ ومن هنا كان التحدي. كيف تترجم اللا معنى دون الإخلال به؟ كيف تصف صورة فنية لمن يبصر الألوان ولا يبصر الأشكال؟ وحيث أنني من هواة التسلية الفكرية، فقد قررت أن أجرب حظي في ترجمة كلمات هذه الرائعة الفنية إلى اللسان المتجلط. ولكن، قبل ذلك، إليكم فيديو تسجيل هذه الأغنية في عام ميلادها... من (صيف الحب) في عام ١٩٦٧، هاهي فرقة (Procol Harum) تصنع التاريخ...




يمكنكم الإطلاع على الكلمات الأصلية بالإنجليزية، إن أردتم، مع ملاحظة ما يلي: أن كلمة (Fandango) هي إسم رقصة إسبانية صاخبة، وقد ترجمتها بمنهج (خشيمي) بارز إلى (فن دنقة). وإذا صح القول الشائع بأن (Flamenco) ترجع إلى (فلا مل النظر منكم)، فما ينمعني من ترجمة الرقصة الأخرى الصاخبة إلى فن دنقة؟ عادي!


تناقزنا (فن دنقة) خفيفة،
وتدحرجنا دواليبا على أرض سقيفة.
كنت أشعر بشيء من الغثيان.
ولكن الجمهور صاحوا طلبا للمزيد.
اشتد طنين الغرفة،
بينما انقشع السقف بعيدا وبعيدا.
وعندما صحنا بطلب كأس آخر،
أحضر النادل صحنا.

وهكذا كان لاحقا،
بينما روى الطحان روايته،
أن وجهها، شبحي فقط في البداية،
اكتسى شحوبة تشتد إصفرارا

قالت ليس هناك سبب،
والحقيقة واضحة للعيان
انني تجولت عبر أوراق لعبي،
ولم أسمح لها أن تكون
واحدة من ستة عشر عذارى محصنات
راحلات إلى الساحل.
ورغم أني كنت مفتوح العينين،
فإني كما لو كنت مغمضا.

وهكذا كان لاحقا،
بينما روى الطحان روايته،
أن وجهها، شبحي فقط في البداية،
اكتسى شحوبة تشتد إصفرارا

التسميات: , ,