من الأرشيف... فشخ الدحية على رؤوس الملتحية
نشر هذا المقال أصلا بقلم: حسان بن سنفاز بتاريخ ٢ أغسطس ٢٠٠٢
تدور رحاة الملتحية هذه الايام على محور جديد من محاور التضليل، سعيا لإعزاء شلل المجتمعات االإسلامية وتغيبها عن المسيرة الحضارية إلى ما يسمونه بالعلمانية. فيقتضبون شعارات العصابات الحاكمة ويجعلون منها مؤهلات وأدلة على علمانيتها، ثم يقفون على حطام تلك العصابات ليعلنوا فشل العلمانية بالجملة. والتضليل في دعواهم أنها قائمة على باطل وهادفة إلى إرجاح الكيل بهزل البديل. نعم، إن غاية الملتحية بعيدة عن جذور فشل العصابات الحاكمة، بل الهدف هو نقل ذلك الفشل إلى أعناق خصومهم للتنكيل بهم وبمناهجهم. ولذلك يجب علينا ألا نكتفي بما يظهرون، بل نذهب إلى أبعد من ذلك ونمعن النظر فيما يقتضبون. وعلى سبيل المثال، نذكر هنا المقولة الشهيرة المنسوبة إلى عمر بن الخطاب حين سأل عمرو بن العاص مستنكرا، "متى إستعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا؟" وهذه المقولة يستدل بها كثيرا من الناس كرمز للمساواة التى يفترضون أنها سائدة تلك الأيام. ولكننا إن نظرنا بموضوعية، لوجدنا الداء في الخفايا. ذلك أن تقدير الكلام بمنطق الواقع المعاصر يجب أن يكون، "لا مانع لدينا أن تستعبدوا أولاد العبيد، ولكن متى..." حذار من إقتضاب الملتحية!
بعيدا عما رسى عليه بقية البشر من أن العلمانية تعنى لا دين للدولة ولا دولة للدين، لازال الملتحية يسبحون في بحار التيه. فهم يساوون العلمانية بما يسمونه "الكفر" و"الردة" وما إلى ذلك من مصطلحات الفنون القبيحة التي يحددون أسسها منهم وإليهم، ثم يغوصون فيها ويعمهون. ذلك لأن الملتحية لا يسمحون بفردية العقيدة وخصوصيتها، وإنما يرون العقيدة كقناة رابطة ملزمة تمكن البشر من بث السموم وإستعباد بعضهم لبعض. والحقيقة الملموسة، التي يتجاهلها الملتحية، أن العلمانية لا تتجسد في رفض أو معارضة لأي دين بعينه، بل تتجسد في إلزام مؤسسات الدولة بـمبدأ "عمى العقائد،" ونريد بذلك نوع من الحياد مثل حياد عمى الألوان. ولهذا ليس من الشذوذ أن يعيش في الدولة العلمانية بعض الناس ممن يدينون بهذا الدين أو ذاك، أو يظهرون بلون أو بآخر، فتلك خيارات شخصية، وللناس في أربابهم شؤون. ولكن الغريب أن بعض هؤلاء الناس يتجاهلون الفوائد الملموسة التي تعود عليهم أفرادا وجماعات في ظل العلمانية، أينما تنمو حرية العقائد لكافة البشر، مصانة من طغيان الأغلبية، وحق مكفول للبشر بفرض عمى العقائد على الدولة.
وكثيرا ما نجد الملتحية يتبعون سنة المضلين في الإستدلال بأ نصاف آراء الخصوم، أي بشهادة أعور من أهلها. فنجد بين صفوفهم فريق "حملة الآسفار" المتخصصين في إستهلاك القضب المستورد والعاملين دوما على جمع ما تيسر من أدب "شوفوا ديننا ماكويسته في عينهم". وفي إستدلالهم السطحي الركيك يستغفل الملتحية إستنكار المثل الذي يقول: لو كان يحرث ما باعوه. فلو أن أهلها، من العور ومعتدلي البصيرة، جنوا خيرا من سلطان الغيب على الدولة، لما ركنوه في خانة السحر والتطير. ذلك لأن تلك الأنظمة الخرافية تعمل على كبح العقل البشري بلجام عصابات السمو العقائدي. وكذلك في الإتجاه المعاكس، لو كان في إنحياز الدولة للدين خيرا، لترعرع موسى في قصر فرعون. ولو أن الملتحية رأوا أن الإستبداد هو الوليد الحتمي لقران السلطة بالسموّ المطلق، لما وقعوا في الخلط بين فشل العصابات العقائدية وبين مفهوم عمى العقائد كمدخل إلى سبيل العدل والمساواة.
إدعاءات الملتحية بعلمانية الأنظمة الفاشلة هي إدعاءات باطلة لإنها تقوم على الحكم بالتجاهل. ماذا يرى الملتحية من خصائص العلمانية في الأنظمة الفاشلة سوى الشعارات؟ وإذا جردنا هذه الأنظمة من شعاراتها، ثم نظرنا إلى حقيقتها العملية، فهل نجدها عممت الحقوق بالحياد، أم أنها عصابات وأدت العدالة تحت نفايات السمو العقائدي؟ والعدل والإحسان إننا لنحار في أمر أولئك الملتحية! فهم يرون في الطغاة حيادا، ونحن لانرى إلا أنهم عصابة جديدة تكرر جريمة قديمة وتبررها بنفس المبررات الهالكة. فمتى وأين عاشت العلمانية في دوائر السلطة بالعالم الإسلامي حتى تنجح أو تفشل أو يدور الصراع بينها و بين اللحوية أو غيرهم؟ ولو كانت الشعوب الإسلامية تعيش تحت حصانة العلمانية فما الذي جر الملتحية إلي ملاذ علمانية الغرب؟ أليس أولى بهم وأقرب لهم أن ينعموا بحرياتهم في ظلال علمانية ديارهم؟ عجبي على قوم يقذفون الغولة من حضن سلاّل القلوب!
إن فشل المجتمعات الإسلامية لا يعزى للعلمانية ولا يمت لها بصلة. العلمانية كما يعشقها المعارضون، بما فيهم الملتحية، لاتوجد في العالم الإسلامي على الإطلاق. وفشل تلك المجتمعات يعزى لمناهج وعوامل أخرى متواجدة منذ قرون، قد تختلف في مظهرها وفي خطابها، ولكنها تتشابه في البنية لأنها قائمة على نفس الأسس وهي مباديء التفوق والسمو العقائدي الغير ملموس. الصراع التاريخي لم يشمل العلمانية، وإنما هو صراع توالت فيه عصابات السمو على هدم كراسي الحكم ولذلك لم تألف تلك المجتمعات التعددية الآنية، ولم تتطور نظم حكمها، ولم ترث إلا حطاما.
-----------
ملاحظة: من باب التعريف نريد أن نبين معنى "الملتحية" (أو اللحوية، ومفردها لحوي، على وزن وحوي يا وحوي). نخص بهذا اللقب طوائف من الناس تصبو لإستعباد باقي البشر بما يروه ملزما من عقائدهم الإسلامية بشتى ألوانها. لا ينطبق لقب الملتحية بالضرورة على كافة المسلمين. ذلك لأننا لا نتبع طريقهم اللامنطقي في التعميم، كنعتهم لكافة اليهود في كل مكان وزمان بأنهم ذوي نفوس شريرة وأنهم أحفاد القردة والخنازير، وغيرها من الإهانات التي لا يسلم منها أحياء ولا أموات ولا حتى من هو آت. ونؤكد أنه لا يشترط على أعضاء عصابات الملتحية أن يكونوا ذكورا. فعلى الرغم من تواجد المؤهلات البدنية للإلتحاء لدى بعض النساء، إلا أن مؤهلات العضوية ليست بدنية إطلاقا، بل هي فكرية بحتة. وبما أننا نرفض حتمية نقصان عقول النساء، فإن تحديدنا لمؤهلات العضوية يأتي مؤكدا لمبدأ تساوي الفرص
تدور رحاة الملتحية هذه الايام على محور جديد من محاور التضليل، سعيا لإعزاء شلل المجتمعات االإسلامية وتغيبها عن المسيرة الحضارية إلى ما يسمونه بالعلمانية. فيقتضبون شعارات العصابات الحاكمة ويجعلون منها مؤهلات وأدلة على علمانيتها، ثم يقفون على حطام تلك العصابات ليعلنوا فشل العلمانية بالجملة. والتضليل في دعواهم أنها قائمة على باطل وهادفة إلى إرجاح الكيل بهزل البديل. نعم، إن غاية الملتحية بعيدة عن جذور فشل العصابات الحاكمة، بل الهدف هو نقل ذلك الفشل إلى أعناق خصومهم للتنكيل بهم وبمناهجهم. ولذلك يجب علينا ألا نكتفي بما يظهرون، بل نذهب إلى أبعد من ذلك ونمعن النظر فيما يقتضبون. وعلى سبيل المثال، نذكر هنا المقولة الشهيرة المنسوبة إلى عمر بن الخطاب حين سأل عمرو بن العاص مستنكرا، "متى إستعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا؟" وهذه المقولة يستدل بها كثيرا من الناس كرمز للمساواة التى يفترضون أنها سائدة تلك الأيام. ولكننا إن نظرنا بموضوعية، لوجدنا الداء في الخفايا. ذلك أن تقدير الكلام بمنطق الواقع المعاصر يجب أن يكون، "لا مانع لدينا أن تستعبدوا أولاد العبيد، ولكن متى..." حذار من إقتضاب الملتحية!
بعيدا عما رسى عليه بقية البشر من أن العلمانية تعنى لا دين للدولة ولا دولة للدين، لازال الملتحية يسبحون في بحار التيه. فهم يساوون العلمانية بما يسمونه "الكفر" و"الردة" وما إلى ذلك من مصطلحات الفنون القبيحة التي يحددون أسسها منهم وإليهم، ثم يغوصون فيها ويعمهون. ذلك لأن الملتحية لا يسمحون بفردية العقيدة وخصوصيتها، وإنما يرون العقيدة كقناة رابطة ملزمة تمكن البشر من بث السموم وإستعباد بعضهم لبعض. والحقيقة الملموسة، التي يتجاهلها الملتحية، أن العلمانية لا تتجسد في رفض أو معارضة لأي دين بعينه، بل تتجسد في إلزام مؤسسات الدولة بـمبدأ "عمى العقائد،" ونريد بذلك نوع من الحياد مثل حياد عمى الألوان. ولهذا ليس من الشذوذ أن يعيش في الدولة العلمانية بعض الناس ممن يدينون بهذا الدين أو ذاك، أو يظهرون بلون أو بآخر، فتلك خيارات شخصية، وللناس في أربابهم شؤون. ولكن الغريب أن بعض هؤلاء الناس يتجاهلون الفوائد الملموسة التي تعود عليهم أفرادا وجماعات في ظل العلمانية، أينما تنمو حرية العقائد لكافة البشر، مصانة من طغيان الأغلبية، وحق مكفول للبشر بفرض عمى العقائد على الدولة.
وكثيرا ما نجد الملتحية يتبعون سنة المضلين في الإستدلال بأ نصاف آراء الخصوم، أي بشهادة أعور من أهلها. فنجد بين صفوفهم فريق "حملة الآسفار" المتخصصين في إستهلاك القضب المستورد والعاملين دوما على جمع ما تيسر من أدب "شوفوا ديننا ماكويسته في عينهم". وفي إستدلالهم السطحي الركيك يستغفل الملتحية إستنكار المثل الذي يقول: لو كان يحرث ما باعوه. فلو أن أهلها، من العور ومعتدلي البصيرة، جنوا خيرا من سلطان الغيب على الدولة، لما ركنوه في خانة السحر والتطير. ذلك لأن تلك الأنظمة الخرافية تعمل على كبح العقل البشري بلجام عصابات السمو العقائدي. وكذلك في الإتجاه المعاكس، لو كان في إنحياز الدولة للدين خيرا، لترعرع موسى في قصر فرعون. ولو أن الملتحية رأوا أن الإستبداد هو الوليد الحتمي لقران السلطة بالسموّ المطلق، لما وقعوا في الخلط بين فشل العصابات العقائدية وبين مفهوم عمى العقائد كمدخل إلى سبيل العدل والمساواة.
إدعاءات الملتحية بعلمانية الأنظمة الفاشلة هي إدعاءات باطلة لإنها تقوم على الحكم بالتجاهل. ماذا يرى الملتحية من خصائص العلمانية في الأنظمة الفاشلة سوى الشعارات؟ وإذا جردنا هذه الأنظمة من شعاراتها، ثم نظرنا إلى حقيقتها العملية، فهل نجدها عممت الحقوق بالحياد، أم أنها عصابات وأدت العدالة تحت نفايات السمو العقائدي؟ والعدل والإحسان إننا لنحار في أمر أولئك الملتحية! فهم يرون في الطغاة حيادا، ونحن لانرى إلا أنهم عصابة جديدة تكرر جريمة قديمة وتبررها بنفس المبررات الهالكة. فمتى وأين عاشت العلمانية في دوائر السلطة بالعالم الإسلامي حتى تنجح أو تفشل أو يدور الصراع بينها و بين اللحوية أو غيرهم؟ ولو كانت الشعوب الإسلامية تعيش تحت حصانة العلمانية فما الذي جر الملتحية إلي ملاذ علمانية الغرب؟ أليس أولى بهم وأقرب لهم أن ينعموا بحرياتهم في ظلال علمانية ديارهم؟ عجبي على قوم يقذفون الغولة من حضن سلاّل القلوب!
إن فشل المجتمعات الإسلامية لا يعزى للعلمانية ولا يمت لها بصلة. العلمانية كما يعشقها المعارضون، بما فيهم الملتحية، لاتوجد في العالم الإسلامي على الإطلاق. وفشل تلك المجتمعات يعزى لمناهج وعوامل أخرى متواجدة منذ قرون، قد تختلف في مظهرها وفي خطابها، ولكنها تتشابه في البنية لأنها قائمة على نفس الأسس وهي مباديء التفوق والسمو العقائدي الغير ملموس. الصراع التاريخي لم يشمل العلمانية، وإنما هو صراع توالت فيه عصابات السمو على هدم كراسي الحكم ولذلك لم تألف تلك المجتمعات التعددية الآنية، ولم تتطور نظم حكمها، ولم ترث إلا حطاما.
-----------
ملاحظة: من باب التعريف نريد أن نبين معنى "الملتحية" (أو اللحوية، ومفردها لحوي، على وزن وحوي يا وحوي). نخص بهذا اللقب طوائف من الناس تصبو لإستعباد باقي البشر بما يروه ملزما من عقائدهم الإسلامية بشتى ألوانها. لا ينطبق لقب الملتحية بالضرورة على كافة المسلمين. ذلك لأننا لا نتبع طريقهم اللامنطقي في التعميم، كنعتهم لكافة اليهود في كل مكان وزمان بأنهم ذوي نفوس شريرة وأنهم أحفاد القردة والخنازير، وغيرها من الإهانات التي لا يسلم منها أحياء ولا أموات ولا حتى من هو آت. ونؤكد أنه لا يشترط على أعضاء عصابات الملتحية أن يكونوا ذكورا. فعلى الرغم من تواجد المؤهلات البدنية للإلتحاء لدى بعض النساء، إلا أن مؤهلات العضوية ليست بدنية إطلاقا، بل هي فكرية بحتة. وبما أننا نرفض حتمية نقصان عقول النساء، فإن تحديدنا لمؤهلات العضوية يأتي مؤكدا لمبدأ تساوي الفرص