ديوان‮ ‬‮ ‬‮رفــ الحصانة ــع ‬

2011-11-17

رسائل من الأرض -- ١١ (الأخيرة)

(عندما تصطاد الحب، استعمل قلبك طعما، ليس دماغك.)

هذه ترجمة الرسالة الحادية عشر من سلسلة (رسائل من الأرض) للكاتب الأمريكي (مارك توين)، وبها يكتمل هذا المشروع الذى كانت بدايته في ١٣\٨\٢٠٠٧. عندما تسنح الفرصة، سأضيف مقدمة عن الكاتب والكتاب واجمع الأجزاء في ملف واحد.

يسرني أن أهدي هذا العمل إلى روح من أهدتني الكتاب وشاركتني قرائته. تلك التي علمتني الحب بقدومها والشجاعة برحيلها، والتي ترجمت الكتاب اصطيادا لدفء أنفاسها وعذوبة أحاديثها.

يمكنكم الإطلاع على جميع الأجزاء المترجمة تحت تسمية (رسائل من الأرض)، و للإطلاع على النصوص الأصلية بالإنجليزية، نحيلكم إلى الموقع التالي.


by Mark Twain
© Harper & Row, 1962, 1974

_/_/_/_/_/_/_/_/_/_/_/_/_/_/_/_/_/_/_/_/_/

الرسالة 11

تاريخ البشرية في جميع العصور أحمر بالدم، مرير بالكراهية، وملطخ بالوحشية؛ ولكن منذ العصور التوراتية لم تتواجد هذه الصفات دون حدود من نوع ما. حتى الكنيسة، التي سفكت منذ بداية تفوقها ما يزيد من دماء الأبرياء عما سفكته جميع الحروب السياسية، حتى هي تقيدت بحدود. نوع ما من الحدود. ولكن لاحظ أن (الله رب السماء والأرض)، الأب المعشوق للإنسان، عندما يخرج إلى الحرب، فلا حدود له. إنه خالِ تماما من الرحمة -- من يسمى (ينبوع الرحمة). إنه يذبح، يذبح، يذبح! كل الرجال، كل البهائم، كل الأولاد، كل الأطفال؛ وكذلك كل النساء والفتيات، ما عدا من لم تفض بكارتهن.

لا يفرق بين البريء والمذنب. الأطفال كانوا أبرياء، البهائم كانوا أبرياء، كثير من الرجال، كثير من النساء، كثير من الأولاد، وكثير من الفتيات كانوا أبرياء، ورغم ذلك كان عليهم أن يعانوا مع المذنبين. ما طلبه الأب المجنون كان الدم والبؤس، ولم يبال بمن زوده به.

أثقل العقوبات هي التي خصصت لأشخاص لم يستحقوا بأي إحتمال مصيرا رهيبا بهذا القدر -- الـ 32,000 عذراء. عوراتهن العارية فحصت للتأكد من أن غشاء بكارتهن لم يفض، وبعد هذه المذلة أرسلن بعيدا عن الأرض التي كانت لهن وطنا، لبيعهن عبيدا، العبودية الأسوأ والأشنع، عبودية البغاء؛ عبودية الفراش، لإثارة الشهوة وإرضاءها بأجسادهن، إسترقاق لأي مشتري، سواء كان رجلا كريما أو كان خسيسا خشنا قذرا.

الأب هو الذي كال هذه العقوبة الوحشية وغير المستحقة لأولئك العذارى المكلومات بلا ولي، وكان قد ذبح آبائهن وأهاليهن أمام أعينهن. وهل كن يبتهلن له بالشفقة والإنقاذ، في نفس الوقت؟ من دون شك.

كانت هذه العذارى نهبا وغنائم. هو طالب بنصيبه وتحصل عليه. ما فائدة العذارى بالنسبة له؟ ادرسوا تاريخه اللاحق وسوف تعلمون.

قسيسوه تحصلوا على حصة من العذارى أيضا. ماذا سيستفيد القسيسون من العذارى؟ التاريخ السري لغرف الإعتراف عند الروم الكاثوليك يمكنه أن يجيب على ذاك السؤال. التسلية الرئيسية في غرف الإعتراف هي الإغواء -- في جميع أزمنة الكنيسة. الأب (هاياسنث) يشهد أن من بين مئة قسيس اعترفوا له، تسعة وتسعون كانوا قد استخدموا غرفة الإعتراف على نحو فعال لإغواء النساء المتزوجات والفتيات. وقد اعترف احدهم أن من بين 900 فتاة وإمرأة كان لهن قسيسا وتلقى اعترافهن، لم تفلت واحدة من عناقه الفاسق إلا كبيرات السن والقبيحات. قائمة الأسئلة الرسمية التي يتعين على القسيس أن يسألها من شأنها أن تثير ببراعة مفرطة أي امرأة غير مشلولة.

لا يوجد شيء في التاريخ البدائي أو التاريخ المتمدن أتم كمالا، ولا أقسى سحقا من حملة (أب الرحمة) على المدْيَنيين. التقرير الرسمي لا يقدم الحوادث، الحلقات، والتفاصيل الصغيرة، فهو يخوض فقط في معلومات شمولية: جميع العذارى، جميع الرجال، جميع الأطفال، جميع "المخلوقات التي تتنفس"، جميع المنازل، وجميع المدن، ويعطيك فقط صورة واحدة واسعة، تنتشر هنا وهناك وهنالك، على بعد النظر، من خراب متفحم ودمار اجتاحته العواصف؛ يضيف لها خيالك سكونا كئيبا وصمتا مرعبا -- صمت الموت. ولكن بالطبع كانت هناك حوادث. وأين نحصل عليها؟

من تاريخ الأمس. من التاريخ الذي صنعه هنود أمريكا الحمر. لقد كرروا عمل الله، وفعلوا ذلك بروح الله. في عام 1862 الهنود في (مينيسوتا، بعد أن ظلموا وغدر بهم من قبل حكومة الولايات المتحدة، ثاروا ضد المستوطنين البيض وذبحوهم؛ ذبحوا كل من طالته أيديهم، بلا مراعاة للعمر ولا الجنس. فلننظر في هذه الحادثة:

إثنا عشر من الهنود اقتحموا بيت مزرعة في الفجر فأسروا العائلة. وكانت متألفة من المزارع وزوجته وبناته الأربع، أصغرهن عمرها أربعة عشر عاما وأكبرهن ثمانية عشر. صلبوا الوالدين، أي أنهم جردوهم من ملابسهم تماما واوقفوهم على الجدار في الغرفة ومسمروا أيديهم إلى الجدار. ثم عروا البنات، ومددوهن على الأرض أمام والديهن، واغتصبوهن مرارا وتكرارا. واخيرا صلبوا الفتيات على الجدار المقابل للآباء، وجذعوا أنوفهن ونهودهن. وهم أيضا -- لكنني لن أخوض في ذلك. هناك حد. هناك إهانات فظيعة إلى درجة أن القلم لا يمكنه كتابتها. وأحد أفراد تلك العائلة المصلوبة المسكينة -- الوالد -- ظل على قيد الحياة عندما وصلت النجدة بعد ذلك بيومين.

الآن لديكم حادثة واحدة من مذبحة مينيسوتا. ويمكنني أن أعطيكم خمسين. يمكنها أن تغطي جميع أنواع القسوة التي اخترعتها الموهبة الإنسانية المتوحشة في أي وقت مضى.

والآن تعلمون، من هذه المؤشرات المؤكدة، ما حدث تحت إشراف (أب الرحمات) في حملته على مدين. وحملة مينيسوتا كانت مجرد تكرار للغارة على مدين. ما من شيء حدث في واحدة، إلا وحدث في الأخرى.

لا، هذا ليس صحيحا تماما.لقد كان الهندي أرحم من (أب الرحمات) . لم يبع أي عذارى في سوق النخاسة العبودية ليخدمن شهوات قتلة عشيرتهن في حين أن حياتهن الحزينة قد تستمر؛ لقد اغتصبهن، ثم احسن فجعل معاناتهن اللاحقة وجيزة، وأنهاها بهدية الموت الثمينة. لقد أحرق بعض المنازل، ولكن ليس جميعها. ونفذ وحشيات غبية بريئة، ولكنه لم يسلب حياة أحد.

هل كنتم تتوقعوا أن هذا الرب الذي لا ضمير له، هذا المفلس أخلاقيا، أن يصبح معلما للأخلاق؛ للرفق؛ للحلم؛ للبر؛ للنقاء؟ يبدو مستحيلا، مبالغ فيه، ولكن استمعوا إليه. هذه هي كلماته:
طوبى لفقراء الروح فإنّ لهم ملكوت السماوات.
طوبى للمحزونين فإنهم يُعزَّون.
طوبى للودعاء فإنهم يرثون الأرض.
طوبى للجياع والعِطاش إلى البر فإنهم يُشبَعون.
طوبى للرحماء فإنهم يُرحمون.
طوبى لأطهار القلوب فإنهم يشاهدون الله.
طوبى للساعين إلى السلام فإنهم أبناء الله يُدعَون.
طوبى للمُضطهدين على البِرّ فإن لهم ملكوت السماوات.
طوبى لكم، إذا شتموكم واضطهدوكم وافتروا عليكم كل كَذِب من أجلي.

الفم الذي نطق بهذه التهكمات الهائلة، وهذه المنافقات العملاقة، هو نفسه الذي أمر بالمجزرة الإجمالية للرجال المدينيين والرضع والماشية، وبالتدمير الإجمالي للبيوت والمدينة، والنفي الإجمالي للعذارى إلى عبودية قذرة لا توصف. هذا هو نفسه من جلب على المدينيين عذابا وحشيا كرره الهنود الحمر، تفصيل بتفصيل، في مينيسوتا بعد ثمانية عشر قرنا. الحلقة المدينية ملأته فرحا. وكذلك المينيسوتية، وإلا لكان قد حال دونها.

التطويبات والفصول المقتبسة من سفر الأرقام وسفر التثنية يجب دائما ان تقرأ معا على المنابر، عندها يمكن أن يلقي جمع المصلين نظرة شاملة على (أبانا الذي في السماء). ومع ذلك، لم أعرف في أي وقت مضى رجل دين واحد يفعل بذلك.

التسميات: ,