ولع التعازي: تقديس أم تدنيس؟
وفيات:
البيئة الليبية يصفها بعض الأجانب (دبلوماسيا) بأنها شديدة التباين٫ ونحن نقول أنها بيئة تتعايش فيها النقائض وتتجانس بشكل غريب، مغشاة ومغمومة، فلا تباين يذكر، وإنما خلط وقلب للمفاهيم إلى درجة التلابس بين التدنيس والتقديس٫ فبينما تحث بعض الثقافات أفرادها على تحقيق نوع من الإتزان بين تحصين المقدسات من التداول والإستهلاك وبين جعلها ملموسة حاضرة في حياة الناس، نجد أن ثقافتنا تذهب في الإتجاه المعاكس صوب تسليع المقدسات وتسويقها وهو ما يؤدي حتما إلى إستهلاكها وتدنيسها٫ الأرباب والرسل والأبطال جميعا بمثابة (ماركات غير مسجلة) شائعة الإستعمال مجانا، صالحة مدى الحياة، جاهزة لكل من يقدر على حشرها في أي سياق، ولذلك ترى العقل الليبي لا يقبل مفهوم إعادة النظر في مقدساته ولايرى داع لتغييرها أو تطويرها٫
سبق أن أشرنا إلى ظاهرة ولع الليبيين بتقديم التعازي مرارا وتكرارا في براريك الغضب، فما هو أصل هذه العادة الغريبة؟ في نظري الأصل قد يكمن في طغيان الحسابية على العقلية الليبية، وما هذا التكرار إلا وجه آخر للتسبيح وتكرار الدعاء في المنتديات عن طريق قص-لصق، وحسابيات الحسنات والسيئات وغيرها من الممارسات والعادات الوثنية الهادفة إلى ربط العالم المادي التجريبي بالعالم الروحاني الوجداني. ألا تسد أولى التعازي لإعلام من لم يعلم؟ وماذا تضيف الثانية والثالثة إذا تواجدت في نفس المكان والزمان مع الأولى؟المفاد الوحيد للتعزية المكررة هو تسجيل ذلك العمل لصالح من يقوم به ولاتفيد متلقيها بأى شكل منالأشكال٫ يا ناس، قلنا ونعيد، إذا سبقك أحد ما ونشرتعزية فهذا يعني أن الخبر قد ذاع، وإذا يهمك أن تواسي صديقك وترفع من معنوياته فإن ذلك يتطلب منك أن تؤدي الواجب بأقصى حد ممكن من الشخصنة٫ أرفع التلفون وخاطب صديقك مباشرة، أو أرسل رسالة وحملها بكلماتك الخاصة ولا حاجة لإستعراض المجاملات المعلبة٫ لا شك أن للمجاملات مجال، ولكن إذا توقفت تعزيتك عند بعض السطور التقليدية بصبرها وسلوانها، فما الداعي لعرضها أمام كل من هب ودب؟ يزينا من هذه الموازين المقلوبة يا أولي الألقاب! قد يقول البعض أن لاضرر في هذه المجاملات السطحية، ولكننا نقول أن نتائجها غير موجبة، أي أن مجالها يمتد من الصفر فما دون، وإحتمال الضرر يتناسب مع قدر اللا مبالاة التي ترافق صدورها،
فلننظر مثلا إلى تعازي الأمس واليوم، بعد ملاحظة تمليها الظروف. سنتحدث أدناه عن أخبار وفيات، وهي أحداث حقيقية، لها وقع إنساني شديد، وليست بذاتها محل شك أو نقد أو تقليل. ولكننا لانتعامل هنا مع الحدث، بل نعرض قراءة لنماذج من أساليب وخلقيات التعامل مع الأحداث الجسام، الأمر الذي يضعنا أمام جانب من جوانب ثنائية التقديس والتدنيس.
هناك تعزية في فندق حامورابي للسيد محمد ربيع عاشور من طرف بعض أصدقائه، وقد نشرت التعزية أيضا في براكة (ليبيا المستقبل) برفقة تعزية إضافية من المدير حسن الأمين٫ ولكن تعزية الأصدقاء تقول أن والد السيد محمد توفى، وتعزية السيد المدير--المكررة بلامبالاة-- تقول أن والدته توفت، وغير ذلك فهي تكاد أن تكون مطابقة لرفيقتها٫
في نفس الفترة نشرت (ليبيا المستقبل) تعازي موجهة للسيد السنوسي كويدير من بينها مثلا واحدة من أصدقاء ثم تلتها تعزية من طرف السيد علي زيو٫ ولكن، في الأولى توفت شقيقة المعزى، وفي الثانية من يعني؟
ما هي نتيجة هذا النوع من الإعلام وهل يحقق فائدته الممكنة؟ نحن الآن بحاجة لتصحيح اللبس وتوضيح من توفى، الوالد أم الوالدة أم الشقيقة٫ إضافة إلى ذلك، لاحظنا أن السيد الأمين خص إحدى التعازي التي نشرها بالتثنية ولكنه صمت تجاه الأخرى، فما يعني ذلك؟ وهل هناك أي مفاد لتعزية وإنتقائية السيد الأمين سوى إشهار إرتباطاته الشخصية، وهل يؤهلها ذلك للنشر؟ ياناس سادنا من دراه الكبد، وتعاملوا مع عقولنا، أرجوكم! كيف يكون التعامل مع المقدسات: بسيطة، إختر نموذجا معدا للمناسبة، ثم أضف بعض المعلومات الخاصة، ويمكن لك أن تخرف أي كلام، بدون عناية، بدون حرص، بدون تركيز، بدون خشوع. إذا، ما هو التدنيس؟
وإليكم آخر حلقة في سلسة تعازي السيد صلاح عبد العزيز، التي تبين نقتطين بوضوح: أولا، الكاتب لايميز بين جلطة (أو إنسداد) وبين إنفجار في عرق من عروق الدماغ٫ ثانيا، تبين المقالة إنتهازية الكاتب وإستغلاله رواج سوق التعازي لتمرير بضائعه العاطفية حول علاقة سببية بين حالة معينة من جلطة الدماغ وبين ممارسات عصابة الحكم في ليبيا بشكل عام، بل تصل به قلة الذوق إلى القول حرفيا أن غليان دم المتوفي هو ما أدى إلى إنفجار في دماغه! ماذا نقول؟ لايسعنا إلا أن نكرر مقولة بو درنّة (خنفس الروث) حين وقع في (صباب) صعب عليه أن يكوره فاستنكر قائلا: "اللي مايعرفش يخرا، ليش يخرا؟"
ولكن الرقم القياسي في توزيع النكد سجله الكاتب المسمى بن جواد في فندق حامورابي، وقد يرى بن جواد أن المستهلك الليبي يعاني من نقص الكآبة في سوق البراريك فخصص جهوده لسد هذه الثغرة بإستيراد البضائع من جريدة أخبار بنغازي٫ بعض الحالات التي ينقلها بن جواد لم تبلغ من العمر سوى بضع ساعات وبعضها دقائق٫ الحقيقة، لاندري إذا كان إسم الكاتب مشتق من الجود، أو إسم قرية بن جواد، أو ربما يكون مستوردا من مصر٫٫٫ ولكن ياسلام على الكرم المصائبي وخلاص!
ولادات:
إضافات اليوم لقائمة (المنظمة دو جور)
ولدت حركة (العصيان المدني) وأعلنت عن نفسها في بيانها الأول، الذي أشارت إلى صدوره (في طرابلس وبنغازي) تناغما مع الزوجية المزورة منذ تصف قرن تحت عنوان (ليبيا الحديثة)، وختمت المنظمة بيانها بأسلوب إبداعي خارق حين هتفت (الله أكبر الله أكبر). ياسلام، نحن نحب الجديد! لكن هذه المنظمة الوليدة تذكرنا بحركةخلاص التي خلصت إلى بارئها بعد بضعة بيانات منفعلة مفتعلة٫
أضف كذلك (جمعية عمر المختار لأصحاب الثروة المحرومين منها-الجبل الأخضر) التي خرجت علينا بما تسميه (دعوى قضائية ضد الفاسدين والمفسدين) وليس بها حقائق مثبتة سوى أسماء بعض عملاء العصابة الحاكمة في ليبيا٫ ولكن، للإنصاف، مستوى هذه الدعوى اللغوي والمنطقي لايبعد كثيرا عن الدعوى التي نشرت في البراريك مؤخرا تحت إسم (دعوى حسبية) ضد رئيس الوزراء، والتي عرفت لنا كلمة حسبية في ثناياها بدقة قانونية متناهية بأنها تعني (لوجه الله ورسوله). ياسلام على المنطق المجرد المقطر! فاقد الشيء لا يعطيه، وأنى للمنطق أن ينبت ويثمر القانون في بيئة تبدو وكأنها غابة للعدالة وصحراء للحقوق؟
البيئة الليبية يصفها بعض الأجانب (دبلوماسيا) بأنها شديدة التباين٫ ونحن نقول أنها بيئة تتعايش فيها النقائض وتتجانس بشكل غريب، مغشاة ومغمومة، فلا تباين يذكر، وإنما خلط وقلب للمفاهيم إلى درجة التلابس بين التدنيس والتقديس٫ فبينما تحث بعض الثقافات أفرادها على تحقيق نوع من الإتزان بين تحصين المقدسات من التداول والإستهلاك وبين جعلها ملموسة حاضرة في حياة الناس، نجد أن ثقافتنا تذهب في الإتجاه المعاكس صوب تسليع المقدسات وتسويقها وهو ما يؤدي حتما إلى إستهلاكها وتدنيسها٫ الأرباب والرسل والأبطال جميعا بمثابة (ماركات غير مسجلة) شائعة الإستعمال مجانا، صالحة مدى الحياة، جاهزة لكل من يقدر على حشرها في أي سياق، ولذلك ترى العقل الليبي لا يقبل مفهوم إعادة النظر في مقدساته ولايرى داع لتغييرها أو تطويرها٫
سبق أن أشرنا إلى ظاهرة ولع الليبيين بتقديم التعازي مرارا وتكرارا في براريك الغضب، فما هو أصل هذه العادة الغريبة؟ في نظري الأصل قد يكمن في طغيان الحسابية على العقلية الليبية، وما هذا التكرار إلا وجه آخر للتسبيح وتكرار الدعاء في المنتديات عن طريق قص-لصق، وحسابيات الحسنات والسيئات وغيرها من الممارسات والعادات الوثنية الهادفة إلى ربط العالم المادي التجريبي بالعالم الروحاني الوجداني. ألا تسد أولى التعازي لإعلام من لم يعلم؟ وماذا تضيف الثانية والثالثة إذا تواجدت في نفس المكان والزمان مع الأولى؟المفاد الوحيد للتعزية المكررة هو تسجيل ذلك العمل لصالح من يقوم به ولاتفيد متلقيها بأى شكل منالأشكال٫ يا ناس، قلنا ونعيد، إذا سبقك أحد ما ونشرتعزية فهذا يعني أن الخبر قد ذاع، وإذا يهمك أن تواسي صديقك وترفع من معنوياته فإن ذلك يتطلب منك أن تؤدي الواجب بأقصى حد ممكن من الشخصنة٫ أرفع التلفون وخاطب صديقك مباشرة، أو أرسل رسالة وحملها بكلماتك الخاصة ولا حاجة لإستعراض المجاملات المعلبة٫ لا شك أن للمجاملات مجال، ولكن إذا توقفت تعزيتك عند بعض السطور التقليدية بصبرها وسلوانها، فما الداعي لعرضها أمام كل من هب ودب؟ يزينا من هذه الموازين المقلوبة يا أولي الألقاب! قد يقول البعض أن لاضرر في هذه المجاملات السطحية، ولكننا نقول أن نتائجها غير موجبة، أي أن مجالها يمتد من الصفر فما دون، وإحتمال الضرر يتناسب مع قدر اللا مبالاة التي ترافق صدورها،
فلننظر مثلا إلى تعازي الأمس واليوم، بعد ملاحظة تمليها الظروف. سنتحدث أدناه عن أخبار وفيات، وهي أحداث حقيقية، لها وقع إنساني شديد، وليست بذاتها محل شك أو نقد أو تقليل. ولكننا لانتعامل هنا مع الحدث، بل نعرض قراءة لنماذج من أساليب وخلقيات التعامل مع الأحداث الجسام، الأمر الذي يضعنا أمام جانب من جوانب ثنائية التقديس والتدنيس.
هناك تعزية في فندق حامورابي للسيد محمد ربيع عاشور من طرف بعض أصدقائه، وقد نشرت التعزية أيضا في براكة (ليبيا المستقبل) برفقة تعزية إضافية من المدير حسن الأمين٫ ولكن تعزية الأصدقاء تقول أن والد السيد محمد توفى، وتعزية السيد المدير--المكررة بلامبالاة-- تقول أن والدته توفت، وغير ذلك فهي تكاد أن تكون مطابقة لرفيقتها٫
في نفس الفترة نشرت (ليبيا المستقبل) تعازي موجهة للسيد السنوسي كويدير من بينها مثلا واحدة من أصدقاء ثم تلتها تعزية من طرف السيد علي زيو٫ ولكن، في الأولى توفت شقيقة المعزى، وفي الثانية من يعني؟
ما هي نتيجة هذا النوع من الإعلام وهل يحقق فائدته الممكنة؟ نحن الآن بحاجة لتصحيح اللبس وتوضيح من توفى، الوالد أم الوالدة أم الشقيقة٫ إضافة إلى ذلك، لاحظنا أن السيد الأمين خص إحدى التعازي التي نشرها بالتثنية ولكنه صمت تجاه الأخرى، فما يعني ذلك؟ وهل هناك أي مفاد لتعزية وإنتقائية السيد الأمين سوى إشهار إرتباطاته الشخصية، وهل يؤهلها ذلك للنشر؟ ياناس سادنا من دراه الكبد، وتعاملوا مع عقولنا، أرجوكم! كيف يكون التعامل مع المقدسات: بسيطة، إختر نموذجا معدا للمناسبة، ثم أضف بعض المعلومات الخاصة، ويمكن لك أن تخرف أي كلام، بدون عناية، بدون حرص، بدون تركيز، بدون خشوع. إذا، ما هو التدنيس؟
وإليكم آخر حلقة في سلسة تعازي السيد صلاح عبد العزيز، التي تبين نقتطين بوضوح: أولا، الكاتب لايميز بين جلطة (أو إنسداد) وبين إنفجار في عرق من عروق الدماغ٫ ثانيا، تبين المقالة إنتهازية الكاتب وإستغلاله رواج سوق التعازي لتمرير بضائعه العاطفية حول علاقة سببية بين حالة معينة من جلطة الدماغ وبين ممارسات عصابة الحكم في ليبيا بشكل عام، بل تصل به قلة الذوق إلى القول حرفيا أن غليان دم المتوفي هو ما أدى إلى إنفجار في دماغه! ماذا نقول؟ لايسعنا إلا أن نكرر مقولة بو درنّة (خنفس الروث) حين وقع في (صباب) صعب عليه أن يكوره فاستنكر قائلا: "اللي مايعرفش يخرا، ليش يخرا؟"
ولكن الرقم القياسي في توزيع النكد سجله الكاتب المسمى بن جواد في فندق حامورابي، وقد يرى بن جواد أن المستهلك الليبي يعاني من نقص الكآبة في سوق البراريك فخصص جهوده لسد هذه الثغرة بإستيراد البضائع من جريدة أخبار بنغازي٫ بعض الحالات التي ينقلها بن جواد لم تبلغ من العمر سوى بضع ساعات وبعضها دقائق٫ الحقيقة، لاندري إذا كان إسم الكاتب مشتق من الجود، أو إسم قرية بن جواد، أو ربما يكون مستوردا من مصر٫٫٫ ولكن ياسلام على الكرم المصائبي وخلاص!
ولادات:
إضافات اليوم لقائمة (المنظمة دو جور)
ولدت حركة (العصيان المدني) وأعلنت عن نفسها في بيانها الأول، الذي أشارت إلى صدوره (في طرابلس وبنغازي) تناغما مع الزوجية المزورة منذ تصف قرن تحت عنوان (ليبيا الحديثة)، وختمت المنظمة بيانها بأسلوب إبداعي خارق حين هتفت (الله أكبر الله أكبر). ياسلام، نحن نحب الجديد! لكن هذه المنظمة الوليدة تذكرنا بحركةخلاص التي خلصت إلى بارئها بعد بضعة بيانات منفعلة مفتعلة٫
أضف كذلك (جمعية عمر المختار لأصحاب الثروة المحرومين منها-الجبل الأخضر) التي خرجت علينا بما تسميه (دعوى قضائية ضد الفاسدين والمفسدين) وليس بها حقائق مثبتة سوى أسماء بعض عملاء العصابة الحاكمة في ليبيا٫ ولكن، للإنصاف، مستوى هذه الدعوى اللغوي والمنطقي لايبعد كثيرا عن الدعوى التي نشرت في البراريك مؤخرا تحت إسم (دعوى حسبية) ضد رئيس الوزراء، والتي عرفت لنا كلمة حسبية في ثناياها بدقة قانونية متناهية بأنها تعني (لوجه الله ورسوله). ياسلام على المنطق المجرد المقطر! فاقد الشيء لا يعطيه، وأنى للمنطق أن ينبت ويثمر القانون في بيئة تبدو وكأنها غابة للعدالة وصحراء للحقوق؟
التسميات: ثقافة
0 تعليقات:
إرسال تعليق
عودة إلى المدخل