ما أصاب عمنا مخضرم؟
نشر الكاتب (مخضرم) ترجمة لتقرير قانوني صدر مؤخرا عن مجلة (جون أفريك) حول تعثر بعض التوابع القانونية لإعتراف الدولة ليبيا بمسؤولية تفجير الطائرة الفرنسية وقبولها إدانة محكمة فرنسية لستة مسؤولين ليبيين والحكم عليهم غيابيا بالسجن المؤبد. وقد أضاف السيد مخضرم لترجمته تعليقا حول موضوعها، كما جرت العادة التي تميزه عن فريق الحمالين الذين يفترون علينا بين الحين والآخر تحت عنوان (قرأت لك) والأصدق أن يقولوا (كركرت لك) أو حتى (إخترت لك). وبين سطور التعليق وجدنا نافذة صغيرة على مشكلة ثقافية كبيرة، وهي مشكلة التمظهر بالألقاب كمؤشر للدونية ولإختلال معايير وقيم الحقيقة في المجتمع الليبي.
بشكل عام، مشاركات السيد مخضرم في براريك الغضب، أو المواقع الوطنية كما يسميها، جديرة بالإحترام لعدة أسباب موضوعية، بغض النظر عن وقوعها داخل أو خارج دائرة الإتفاق. أولا، الكتابات معدة بحرص على تماسكها فكريا ولغويا. ثانيا، أنها كتابات لحيمة تكتسي فيها الحقائق بالأراء ولا تترطرط مادتها كالأجواف المتنفخة في قفة المصارين. ثالثا، أن الكاتب يتناول مواضيع متنوعة (أحداث، أعمال وحتى أقوال)، بأساليب مختلفة، ولكنه لايضرب تحت الحزام. ومن الملاحظ عن الكاتب مخضرم عزوفه عن التفاعل مع باقي الكتاب في براريك الغضب، ولا ملامة، بإستثناء تفاعل وحيد (على ما نذكر) كان ردا على دعوة السيد الهادي شلوف لإنظمام ليبيا إلى الإتحاد الأوروبي. أمام هذه الخلفية تلقينا (بسرور) الملاحظة التي أوردها الكاتب ضمن تعليقه على المقالة القانونية المترجمة، حيث قال:
كان رد فعلنا الأولي: كيخ كيخ كيخ! ولو كان بيدي لاستبدلت كلمة (الفخيمة) بكلمة (المفخمة) أو (المفخفخة) أو حتى (المفخخة). طبعا، مقيدو أحوال الكامبو الليبي--من أمثالنا-- يعلمون جيدا أن المعني بهذه النخسة هو--شد روحك--:
الأخ الأستاذ الدكتور المحامي، دكتوراه الدولة في القانون الدولي والعلاقات الدولية ( فرنسا)، دكتوراه Ph.D. في القانون الجنائي والعلوم الجنائية (إيطاليا)، رئيس الجمعية الأوروبية العربية للمحامين والقانونيين بباريس، محكم دولي، مؤسس ورئيس حزب العدالة والديمقراطية الليبي. آسف، قريب نسيت أن إسمه الهادي شلوف. وإذا كانت مؤهلاته الأكاديمية من نفس نوعية مؤهلاته الحزبية، فقل عليها السلام! الغريب في الأمر أن السيد شلوف ذكر في إحدى شطحاته أن حزبه--الفردي آنذاك-- يتعامل بلقب (السيد) و(السيدة) فقط ولا يتعامل بألقاب مثل (الأخ) و(الأخت) وغيرها من المفردات الملونة. ولكن سيادته لا يمتنع عن عرض ألقابه المهنية ضمن مساعيه التي تدفعها طموحات سياسية (أو ظهورية) لا مهنية. وقد لاحظنا مؤخرا أن عضوية حزب شلوف نمت فجأة فبلغت ثلاثة أضعاف ما كانت عليه، بعد إنضمام عضوين، أحدهما السيد جاب الله موسى حسن، المتخصص في منصب نائب رئيس مجلس الإدارة أينما حل، إلا في جوقة (يانا علي يا بريقتي) حيث يضطلع بمهمة الشاوش. طبعا، السيد جاب الله يذيل مقالاته المتكررة كما يلي:
أستاذ مشارك بجامعة تكساس الجنوبية --ولكننا لم نجد له ذكرا على موقع الجامعة.
أستاذ محاضر بكلية --Alvin والأصح أن يترجمها (معهد) لأنها تخرج طلبتها بعد عامين بشهادة (مرافق) ولاتمنح شهادة بكالوريوس. على فكرة، إسم Alvin هكذا حاف يذكرنا بشخصية شهيرة في عالم الرسوم المتحركة، وهو السنيجيب التحفون في الصورة المرفقة،
أستاذ محاضر بكلية مقاطعة هارس الشمالية-- وربما الأصح شمال متصرفية هارس، لإن هارس إسم قطاع أكبر من مدينة وأصغر من ولاية، ولكن المقاطعة تعادل الولاية، كما تستعمل مثلا في تفصيل كندا الجغرافي.
الخلاصة أن السيد جاب الله يعرض عناوين عمله في غير محلها، ورغم أنها معاهد وكليات غير رفيعة، فهي توهم الرعاع في ليبيا بأنه فلتة عصره الذي يعمل ليس في جامعة واحدة فحسب بل في جامعات وكليات في شمال تكساس وجنوبها. الحقيقة أن الإرتباط الأكاديمي يخضع لمبدأ (لو كان يحرث ما باعوه)، ولذلك تعدد جهات العمل الأكاديمي لايعتبر مؤشرا للنجاح والتفوق بل مؤشرا لعدم قدرة العامل على نيل منصب كامل في أي منها. للأسف أن السيد جاب الله يضيع بإستعراضيته فرصة إستثمار موقعه لتقديم العبر والدروس والقيم الإنسانية الحقيقية الناجمة عن خبرته. العمل الشريف ليس عيبا أينما كان، ولكن التفاخر في غير محله هو المشكل. سيرة السيد جاب الله تقول أنه ترك ليبيا في أواسط العمر وهاجر بصحبة عائلة إلى مصر ثم إنتقل إلى مدينة هيوستن وكدح في أعمال جانبية إلى أن تمكن من العودة إلى مجال التعليم الجامعي. رصيد السيد جاب الله لايكمن في محلات عمله الآن، بل العبرة في خبرته وصعوبة المسار الذي شقه، لأن قوة الإنسان تقاس بشدة الأزمات التي يتغلب عليها، والفضيلة ضعيفة مالم تمتحن، كما يقال. السيد جاب الله يملك أن يقدم للشباب الليبيين مثالا للمثابرة نحو الحرية وتقرير المصير، ومثالا للنهوض بعد الإنتكاس، وغيرها من القيم الإنسانية العظيمة التي يجهلها ويفتقرها شباب ليبيا بشكل عام. ولكن هيهات...
مشكلة الألقاب واحدة من أعراض مرض متجذر في ثقافة ليبيا وجيرانها، قد تعود أصوله إلى مئات أو آلاف السنين.
في أيام الصبا كنت أظن أن المشكلة منحصرة في الخطاب العقائدي\الأيديولوجي، خطاب المتثورين والمتدينين. بعد إنقلاب القذافي إتفق المعسكران على مصطلح (الأخ) ليحل محل مصطلح (السيد)، لأن هولاء العكعك يعتقدون أن كلمة (سيد) تنم عن مفهوم طبقي يعتمد التمييز بين من هو سيد ومن هو عبد، ولا يفهمون أنها تعني سيد على إرادته وقراره، سيد على خصوصيته وحرمته، أي أن لقب سيد يساوي إنسان حر.
والآن نرى بوضوح أن النظام ومعارضته تخرجوا من نفس المدرسة، مدرسة الثقافة الليبية، التي أضفت عليهم عديدا من القيم المشتركة. على سبيل المثال، مراقب الإخوان المسلمين يدعى المهندس سليمان عبد القادر، والسيد إبراهيم إغنيوة يضيف لقب دكتور لإسمه ليجعل منه عنوانا لموقعه، والسيد محمد بويصير يلقي كلمة في مؤتمر الأقباط ثم يضيف لقب المهندس عندما ينشرها في المواقع الليبية، وسيف القذافي هو الآخر مهندس وأخته عائشة دكتورة بإجازة من جامعة ترهونة العريقة، إلخ. هذا الغلو البدائي يشكل القاعدة لمفاهيم العنونة والإعلام والتعريف والحقيقة برمتها في الثقافة الليبية، ولا يتميز في ذلك جهاز إعلام الشلافطي القذافي عن باقي البراريك إلا بمقداره.
آخر نموذج طالعته من سفسطة التلقيب، أو سندويتشات الكلام، كان في محاولة السيد عيسى عبد القيوم تلخيص أهم أحداث العام الماضي، والتي ذكر فيها عددا من الشخصيات البارزة في براريك الغضب، مضيفا صورهم، ربما وقاية من عيون الحساد. تفضلوا هذه العينة:
تهانينا الحارة للسيد علي أبو زعكوك بمناسبة حصوله على شهادة الدكتوراة (الفخرية) بتشريف من معالي صاحب السمو الفلكي، مولانا عيسى بن القيوم... وهاهي باقة أخرى
وتهانينا للفقيد منصور الكيخيا على فوزه بتكريمات السيد عيسى، وإن تأخرت أكثر من عشرة أعوام بعد إختفاءه. على فكرة، تنبه أنه حسب عرف صناعة سندويتشات الكلام، حرف الدال هو مختصر لقب دكتور، وكذلك الميم لمهندس والهمزة لأستاذ، والأخيرة لاتشترط أي مؤهلات تعليمية على حاملها إذا بلغ مطلقها نصاب الجهل.
في خضم تكلفه الذي جاوز الحدود، يضيف السيد عيسى نماذجا أخرى من النوع التالي:
وهنا نقدم نعازينا للسيد مصطفى قرقوم والسيد صابر مجيد، ولاحول ولا قوة إلا بالعقل. لماذا لم يتكرم السيد عيسى عليهم حتى بهميزة على السطر وأورد هذه الأسماء طليسة مجردة؟ ثم ماذا عن الحاج صابر، ألا يستحق إسمه حتى حرف حاء يحميه؟ عيب عيب عيب!
المشكلة أكبر بكثير من مقالة عيسى عبد الكرموس أو غيره، فهذه جميعا أعراض مرض ثقافي شديد وهو تفتت الحس الجماعي لماهية الحقيقة. عادة التغليف والتزوير قديمة جدا في ثقافتنا. أنظر إلى أسماء الأعلام في الكتب القديمة وكيف تردم في سلسلة طويلة من الألقاب. قلما يذكر الإسم مجردا على شكل فلان بن علان، إلا في سياق الهجاء. أما إذا كان سياق تبجيل وإحترام، إييييييه شن يحدها! هو ذو الفضل والمكارم الشيخ الإمام أبو جعفر إبن أبي طاقية المكنى بالفظيع بن أبي الفظيع الأقطع الأقرع الجنفاوي الفرادي حجة عصره... أشكون؟ عاود من جديد!
أعتقد أن الليبيين ينظرون للكلام المباشر على أنه نوع من الوحشية والفظظ، ولذلك يرون الإسم الشخصي مثل العورة التي يجب سترها وتغليفها، وهذا إذا كان المسمى رجلا، أما المرأة فلاتعرف بإسمها على الإطلاق وإنما تعرف بالإضافة والتبعية (حرم د. فلان، إبنة أ. علان، أم هذا الهفك، أو أرملة ذاك.) في ليبيا، بدل أن يكون تداول الأسماء شيئا طبيعيا مثل شرب الماء، لايحتاج لمقدمات ولا مؤخرات، أصبحت المناداة مثل شرب النبيذ لايطيب فيها الإسم إلا بين فراش وغطاء.
في الختام، ومواكبة لأحداث الموسم، ننقل لكم من طرائف الألقاب ما ورد على لسان السيد نور الدين العزومي، طبال القذافي الفاطس، حين سأله الطبال الحي أحمد النويري أن يلقي قصيدة أعدها بعد ذهابه للحج. فابتدأ العزومي بمقدمة أكل عيش قال فيها "ينصر الله الثورة اللي حججت الناس أكّل... تو الليبيين ولوا كي البل المتعلمة بالعليف، إليا قلت يا حاج يتلفتوا كلهم." كيخ كيخ كيخ! وينصر الله عيسى عبد القيوم وأمثاله الذين تجاوزوا الثورة في كرم العليف والتحريف فطالوا القطيع من النخبة إلى البزقليف.
ولعمنا مخضرم نصيحة: لا تسبق المدفوف ولا تتبع المعلوف!
بشكل عام، مشاركات السيد مخضرم في براريك الغضب، أو المواقع الوطنية كما يسميها، جديرة بالإحترام لعدة أسباب موضوعية، بغض النظر عن وقوعها داخل أو خارج دائرة الإتفاق. أولا، الكتابات معدة بحرص على تماسكها فكريا ولغويا. ثانيا، أنها كتابات لحيمة تكتسي فيها الحقائق بالأراء ولا تترطرط مادتها كالأجواف المتنفخة في قفة المصارين. ثالثا، أن الكاتب يتناول مواضيع متنوعة (أحداث، أعمال وحتى أقوال)، بأساليب مختلفة، ولكنه لايضرب تحت الحزام. ومن الملاحظ عن الكاتب مخضرم عزوفه عن التفاعل مع باقي الكتاب في براريك الغضب، ولا ملامة، بإستثناء تفاعل وحيد (على ما نذكر) كان ردا على دعوة السيد الهادي شلوف لإنظمام ليبيا إلى الإتحاد الأوروبي. أمام هذه الخلفية تلقينا (بسرور) الملاحظة التي أوردها الكاتب ضمن تعليقه على المقالة القانونية المترجمة، حيث قال:
ولقد وجدنا صعوبة في ترجمتها لما شابها من تعقيد الإجراءات والأساليب القانونيّة (وكان أجدر أن يقوم بهذه المهمّة أساطين القانون الذين لا يملّون من تذييل كتاباتهم في المواقع بالألقاب الفخيمة!)
المصدر: جرجرة القذافي إلى محاكم 18 دولة!!
كان رد فعلنا الأولي: كيخ كيخ كيخ! ولو كان بيدي لاستبدلت كلمة (الفخيمة) بكلمة (المفخمة) أو (المفخفخة) أو حتى (المفخخة). طبعا، مقيدو أحوال الكامبو الليبي--من أمثالنا-- يعلمون جيدا أن المعني بهذه النخسة هو--شد روحك--:
الأخ الأستاذ الدكتور المحامي، دكتوراه الدولة في القانون الدولي والعلاقات الدولية ( فرنسا)، دكتوراه Ph.D. في القانون الجنائي والعلوم الجنائية (إيطاليا)، رئيس الجمعية الأوروبية العربية للمحامين والقانونيين بباريس، محكم دولي، مؤسس ورئيس حزب العدالة والديمقراطية الليبي. آسف، قريب نسيت أن إسمه الهادي شلوف. وإذا كانت مؤهلاته الأكاديمية من نفس نوعية مؤهلاته الحزبية، فقل عليها السلام! الغريب في الأمر أن السيد شلوف ذكر في إحدى شطحاته أن حزبه--الفردي آنذاك-- يتعامل بلقب (السيد) و(السيدة) فقط ولا يتعامل بألقاب مثل (الأخ) و(الأخت) وغيرها من المفردات الملونة. ولكن سيادته لا يمتنع عن عرض ألقابه المهنية ضمن مساعيه التي تدفعها طموحات سياسية (أو ظهورية) لا مهنية. وقد لاحظنا مؤخرا أن عضوية حزب شلوف نمت فجأة فبلغت ثلاثة أضعاف ما كانت عليه، بعد إنضمام عضوين، أحدهما السيد جاب الله موسى حسن، المتخصص في منصب نائب رئيس مجلس الإدارة أينما حل، إلا في جوقة (يانا علي يا بريقتي) حيث يضطلع بمهمة الشاوش. طبعا، السيد جاب الله يذيل مقالاته المتكررة كما يلي:
أستاذ مشارك بجامعة تكساس الجنوبية --ولكننا لم نجد له ذكرا على موقع الجامعة.
أستاذ محاضر بكلية --Alvin والأصح أن يترجمها (معهد) لأنها تخرج طلبتها بعد عامين بشهادة (مرافق) ولاتمنح شهادة بكالوريوس. على فكرة، إسم Alvin هكذا حاف يذكرنا بشخصية شهيرة في عالم الرسوم المتحركة، وهو السنيجيب التحفون في الصورة المرفقة،
أستاذ محاضر بكلية مقاطعة هارس الشمالية-- وربما الأصح شمال متصرفية هارس، لإن هارس إسم قطاع أكبر من مدينة وأصغر من ولاية، ولكن المقاطعة تعادل الولاية، كما تستعمل مثلا في تفصيل كندا الجغرافي.
الخلاصة أن السيد جاب الله يعرض عناوين عمله في غير محلها، ورغم أنها معاهد وكليات غير رفيعة، فهي توهم الرعاع في ليبيا بأنه فلتة عصره الذي يعمل ليس في جامعة واحدة فحسب بل في جامعات وكليات في شمال تكساس وجنوبها. الحقيقة أن الإرتباط الأكاديمي يخضع لمبدأ (لو كان يحرث ما باعوه)، ولذلك تعدد جهات العمل الأكاديمي لايعتبر مؤشرا للنجاح والتفوق بل مؤشرا لعدم قدرة العامل على نيل منصب كامل في أي منها. للأسف أن السيد جاب الله يضيع بإستعراضيته فرصة إستثمار موقعه لتقديم العبر والدروس والقيم الإنسانية الحقيقية الناجمة عن خبرته. العمل الشريف ليس عيبا أينما كان، ولكن التفاخر في غير محله هو المشكل. سيرة السيد جاب الله تقول أنه ترك ليبيا في أواسط العمر وهاجر بصحبة عائلة إلى مصر ثم إنتقل إلى مدينة هيوستن وكدح في أعمال جانبية إلى أن تمكن من العودة إلى مجال التعليم الجامعي. رصيد السيد جاب الله لايكمن في محلات عمله الآن، بل العبرة في خبرته وصعوبة المسار الذي شقه، لأن قوة الإنسان تقاس بشدة الأزمات التي يتغلب عليها، والفضيلة ضعيفة مالم تمتحن، كما يقال. السيد جاب الله يملك أن يقدم للشباب الليبيين مثالا للمثابرة نحو الحرية وتقرير المصير، ومثالا للنهوض بعد الإنتكاس، وغيرها من القيم الإنسانية العظيمة التي يجهلها ويفتقرها شباب ليبيا بشكل عام. ولكن هيهات...
مشكلة الألقاب واحدة من أعراض مرض متجذر في ثقافة ليبيا وجيرانها، قد تعود أصوله إلى مئات أو آلاف السنين.
في أيام الصبا كنت أظن أن المشكلة منحصرة في الخطاب العقائدي\الأيديولوجي، خطاب المتثورين والمتدينين. بعد إنقلاب القذافي إتفق المعسكران على مصطلح (الأخ) ليحل محل مصطلح (السيد)، لأن هولاء العكعك يعتقدون أن كلمة (سيد) تنم عن مفهوم طبقي يعتمد التمييز بين من هو سيد ومن هو عبد، ولا يفهمون أنها تعني سيد على إرادته وقراره، سيد على خصوصيته وحرمته، أي أن لقب سيد يساوي إنسان حر.
والآن نرى بوضوح أن النظام ومعارضته تخرجوا من نفس المدرسة، مدرسة الثقافة الليبية، التي أضفت عليهم عديدا من القيم المشتركة. على سبيل المثال، مراقب الإخوان المسلمين يدعى المهندس سليمان عبد القادر، والسيد إبراهيم إغنيوة يضيف لقب دكتور لإسمه ليجعل منه عنوانا لموقعه، والسيد محمد بويصير يلقي كلمة في مؤتمر الأقباط ثم يضيف لقب المهندس عندما ينشرها في المواقع الليبية، وسيف القذافي هو الآخر مهندس وأخته عائشة دكتورة بإجازة من جامعة ترهونة العريقة، إلخ. هذا الغلو البدائي يشكل القاعدة لمفاهيم العنونة والإعلام والتعريف والحقيقة برمتها في الثقافة الليبية، ولا يتميز في ذلك جهاز إعلام الشلافطي القذافي عن باقي البراريك إلا بمقداره.
آخر نموذج طالعته من سفسطة التلقيب، أو سندويتشات الكلام، كان في محاولة السيد عيسى عبد القيوم تلخيص أهم أحداث العام الماضي، والتي ذكر فيها عددا من الشخصيات البارزة في براريك الغضب، مضيفا صورهم، ربما وقاية من عيون الحساد. تفضلوا هذه العينة:
تهانينا الحارة للسيد علي أبو زعكوك بمناسبة حصوله على شهادة الدكتوراة (الفخرية) بتشريف من معالي صاحب السمو الفلكي، مولانا عيسى بن القيوم... وهاهي باقة أخرى
وتهانينا للفقيد منصور الكيخيا على فوزه بتكريمات السيد عيسى، وإن تأخرت أكثر من عشرة أعوام بعد إختفاءه. على فكرة، تنبه أنه حسب عرف صناعة سندويتشات الكلام، حرف الدال هو مختصر لقب دكتور، وكذلك الميم لمهندس والهمزة لأستاذ، والأخيرة لاتشترط أي مؤهلات تعليمية على حاملها إذا بلغ مطلقها نصاب الجهل.
في خضم تكلفه الذي جاوز الحدود، يضيف السيد عيسى نماذجا أخرى من النوع التالي:
وهنا نقدم نعازينا للسيد مصطفى قرقوم والسيد صابر مجيد، ولاحول ولا قوة إلا بالعقل. لماذا لم يتكرم السيد عيسى عليهم حتى بهميزة على السطر وأورد هذه الأسماء طليسة مجردة؟ ثم ماذا عن الحاج صابر، ألا يستحق إسمه حتى حرف حاء يحميه؟ عيب عيب عيب!
المشكلة أكبر بكثير من مقالة عيسى عبد الكرموس أو غيره، فهذه جميعا أعراض مرض ثقافي شديد وهو تفتت الحس الجماعي لماهية الحقيقة. عادة التغليف والتزوير قديمة جدا في ثقافتنا. أنظر إلى أسماء الأعلام في الكتب القديمة وكيف تردم في سلسلة طويلة من الألقاب. قلما يذكر الإسم مجردا على شكل فلان بن علان، إلا في سياق الهجاء. أما إذا كان سياق تبجيل وإحترام، إييييييه شن يحدها! هو ذو الفضل والمكارم الشيخ الإمام أبو جعفر إبن أبي طاقية المكنى بالفظيع بن أبي الفظيع الأقطع الأقرع الجنفاوي الفرادي حجة عصره... أشكون؟ عاود من جديد!
أعتقد أن الليبيين ينظرون للكلام المباشر على أنه نوع من الوحشية والفظظ، ولذلك يرون الإسم الشخصي مثل العورة التي يجب سترها وتغليفها، وهذا إذا كان المسمى رجلا، أما المرأة فلاتعرف بإسمها على الإطلاق وإنما تعرف بالإضافة والتبعية (حرم د. فلان، إبنة أ. علان، أم هذا الهفك، أو أرملة ذاك.) في ليبيا، بدل أن يكون تداول الأسماء شيئا طبيعيا مثل شرب الماء، لايحتاج لمقدمات ولا مؤخرات، أصبحت المناداة مثل شرب النبيذ لايطيب فيها الإسم إلا بين فراش وغطاء.
في الختام، ومواكبة لأحداث الموسم، ننقل لكم من طرائف الألقاب ما ورد على لسان السيد نور الدين العزومي، طبال القذافي الفاطس، حين سأله الطبال الحي أحمد النويري أن يلقي قصيدة أعدها بعد ذهابه للحج. فابتدأ العزومي بمقدمة أكل عيش قال فيها "ينصر الله الثورة اللي حججت الناس أكّل... تو الليبيين ولوا كي البل المتعلمة بالعليف، إليا قلت يا حاج يتلفتوا كلهم." كيخ كيخ كيخ! وينصر الله عيسى عبد القيوم وأمثاله الذين تجاوزوا الثورة في كرم العليف والتحريف فطالوا القطيع من النخبة إلى البزقليف.
ولعمنا مخضرم نصيحة: لا تسبق المدفوف ولا تتبع المعلوف!
2 تعليقات:
يبدو ان السيد شلوف اتعظ بنبز السيد مخضرم فعلّق بدوره على مقالة نشرت في القدس برس واختصر اليافطة الملحقة لكتاباته السابقة لسطرين فقط من اصل اربعة او خمسة اسطر
ولكن الذي لفت نظري اكثر هو مااحتفظ السيد شلوف به من القاب بالمقارنة بموضوع مقالته وكأني به يحاول ان يلفت نظر جهة ما لعلاقته المهنية بمحكمة الجنايات الدولية بلاهاي
قد اكون على خطأ في قرائتي للمحامي ولكن خالجني شعور انه ضمنيّا ربما يقصد
لوكربي لم تنتهي بعد وبالمناسبة هاك البزنس كارت
http://www.libya-watanona.com/adab/shallouf/hs22016a.htm
الكاتب: غير معرف بتاريخ الأحد, 22 يناير, 2006
شكرا على التعليق يا سيد متكنطي. أغلب الظن أن السيد شلوف أرفق مقالته بالديباجة المعهودة ولكن القدس برس هي التي أسعفتنا ومسحت منها بعض السطور المملة. السيد شلوف يعتقد، كما صرح سابقا حول تقديمه خدمات قانونية للعصابة الحاكمة، أنه مرغم بخلقيات المهنة أن يقدم خدماته لكل من يطلبها لأن الخدمات القانونية من حق كل إنسان، مثلها مثل الخدمات الطبية. ولكن السيد شلوف لايضيف (في حالة الضرورة)، ولذلك توفر الحكومات محامين للمدعى عليهم إدا رفضوا أو لم يتمكنوا من تنصيب محامي خاص. ولكن، في غياب الضرورة الطارئة من حق أي طبيب ومن حق محامي أن يرفض العمل لصالح أي شخص أو جهة.
الكاتب: ضمير مستتر بتاريخ الأربعاء, 25 يناير, 2006
إرسال تعليق
عودة إلى المدخل