ديوان‮ ‬‮ ‬‮رفــ الحصانة ــع ‬

2004-10-18

مساهمة‮ ‬في‮ ‬نقاش‮ ‬الأمازيغية


أعلنت‮ ‬ قناة المنارة في أوائل الشهر الجاري عن عزمها على‮ ‬عقد ندوة في العاشر من الشهر حول (الأمازيغية في ليبيا)، ثم‮ ‬ أجلت الندوة ‮ ‬إلى تاريخ قريب. وقد أرسلت للمنارة إجاباتي على الأسئلة‮ ‬التي‮ ‬‬ طرحوها كمحاور للنقاش في الندوة المؤجلة، وفيما يلي نص الأسئلة والإجابات‮.‬

١. متى بدأ أول ظهور للمسألة الأمازيغية على الساحة الليبية وما أسباب هذا الظهور ؟

من الصعب أن نحدد تاريخ الولادة بدون التعرف على المولود. لا شك أن كل ما ينسب للأمازيغ، مسألة أو قضية، ظهر مع ظهور الأمازيغ نفسهم، وبقي ما بقي الأمازيغ، ولذلك من السهل أن نجد أدلة تدعم تواجد قضية أو مسألة أمازيغية في أي زمان من تاريخ الأمازيغ، لأن تاريخ الأمازيغ يقع أغلبه تحت الإستعمار أو الإستيطان أو غيرها من مسميات الهيمنة الوافدة. مسؤولية التعريف بالقضية تقع على المنتسبين لها، ولو سألناهم في عصر الرومان أو في عصر عقبة بن نافع لأختلفت ردودهم عن بعضها البعض وعن ردود دعاة الأمازيغية اليوم في الكثير من الجوانب، مع إحتمال التشابه في بعض الأوجه. ولذلك ليس من المعقول أن نرد نشأة الطرح المعاصر لبعض السنين أو لولادة الإنترنت أو لحرب أفغانستان، بل هو سابق لتلك الأحداث ولكن نمو سبل الإتصالات أدى إلى نمو ذلك الطرح، بخيره وشره.

٢. ما نوع المطالب التي يطالب بها دعاة (الأمازيغية) وهل تقتصر فقط على المطالب اللغوية والثقافية أم أنها مطالب ذات أبعاد سياسية أيضا ؟

هناك خليط من المطالب المعروضة بوضوح متفاوت، بعضها يقوم على مباديء إنسانية، كمبدأ المساواة، وهي حالات خاصة لحقوق عامة تتنوع ترجمتها في واقع الممارسة بحكم التنوع الثقافي. حرية التعبير، مثلا، تتضمن الحقوق اللغوية، وحق التسمي، وحتى حق التغني، ولا يهم على الإطلاق نوعية اللغة التي ينتقيها المستهلكون في سوق متساوي الفرص، سواء كانت لغة عربية، أمازيغية، إنجليزية، أو حتى مالطية.

هناك مطالب بإحياء التراث الأمازيغي الثقافي ومن بينها إحياء وتحصين اللغة الأمازيغية. ولكن التاريخ أثبت لنا أن فكرة تحصين اللغات هي فكرة متعصبة متخلفة وأن تفشي هذه الآفة في الشعوب هو أحد المؤشرات الحساسة للسقوط الحضاري والثقافي. مثلا، لا نجد في العالم منظمات تناصر اللغة الإنجليزية لأنها محصنة برواجها، بقوى السوق، وهكذا كانت العربية في أواسط الأرض ودام عنفوانها قرون. ولكن ممرضي اللغات المنحسرة والمنقرضة، مثل الفرنسية في كندا وباقي العالم والأمازيغية ولسان العرب الذي يعاني من الجلطة، يسعون عادة إلى فرض هيمنة الدولة على السوق الثقافي. حق الليبيين في التحدث باللغة الأمازيغية هو ترجمة لحق التعبير، وهو حق فردي لا جدال فيه. وكذلك من حق المنظمات الأهلية ومؤسسات القطاع الخاص أن يشجعوا ويديروا ويمولوا برامج لغوية تعليمية\نهضوية\علاجية\إلخ. ولكن المطالبة بتدخل مؤسسات الدولة وتوزيع مواردها يذهب بنا إلى مركز دائرة السياسة. وهنا لا نخص اللغة الأمازيغية بشكل أو آخر، بل نضعها جنبا إلى جنب مع اللغة العربية والإنجليزية وحتى السواحيلية: لا مانع من تداولها جميعا تحت مظلة تساوي الفرص بطرق السوق الحر، ولكن تخصيص أي موارد عامة يقع في دائرة السياسة ويجب أن يخضع لألية ديمقراطية. بالطبع، الألية الديمقراطية يمكن أن تقر نوعا من التفضيل وتخص لغة معينة أو ثقافة معينة بالدعم المادي، ولكن ذلك لا يتم إلا بإشراك الأغلبية في المشروع وهو مايتطلب إقناعهم بفائدته. على سبيل التحديد، برامج القطاع العام لدعم اللغة أو الثقافة الأمازيغية تتطلب الإجماع على جدواها وهو ما يتم عن طريق تغيير الذوق العام بواسطة التعليم ولا يتم عن طريق هندسة المجتمعات من فوق إلى تحت.

وهناك مطالب قد تبدو مشابهة لما سبق تصنيفه، إلا أنها تستند على مفاهيم باطلة بتضاربها مع مفهوم المساواة. في مقالة "شق الغمة" عارضت نموذجا من هذا النوع وجدته في مقالة لمحرر موقع تاوالت المعني بالثقافة الأمازيغية. تضمنت مقالة المحرر إحتجاجا (مكررا) على ما ورد في تقرير سابق لمنظمة "الرقيب" إستنكرت فيه قانون حظر الأسماء الغير عربية، وذكرت على سبيل المثال الأسماء الأمازيغية و"العثمانية." ولكن قران الأسماء الأمازيغية بالتركية أثار حفيظة السيد المحرر لأنه على حد قوله يساوي أصحاب الأرض والهوية بما تبقى من عائلات العصمانلي. وهذا الرأي المتستر بالمطالبة بحق التعبير هو في حقيقته رفض واضح لمبدأ مساواة الأمازيغ مع غيرهم من الليبيين، ودعوة إلى تفضيل مبني على خاصية الأمازيغية من بين شركائهم في خاصية الأنسانية. وهو كما أوضحنا خلط الإسم بالمسمى لأنه لا يعي أن الأصل هو حق الإنسان أن يتسمى وليس حق الإسم أن ينتحل، ولا يعي أن حق الأمازيغ في التسمي بأسماء أمازيغية لا يختلف على الإطلاق عن حقهم في التسمي بغيرها من الأسماء. هذا النوع من المطالب، وبذلك أعني المطالب المسندة بالتمييز العرقي واللامساواة، موجود على الساحة بأشكال سافرة ومتسترة، وهو في نظري أقوى عامل مضاد لتعميم دعم المطالب العادلة والدعوة لها.

٣. كيف ينظر دعاة ( الأمازيغية ) إلى الهوية الليبية وما موقفهم من ثوابتها الاسلام واللغة العربية ؟

الهوية هي إحدى المفردات المبهمة التي يجعل منها البعض كائنا مقدسا ويضعها فوق كل شيء، ولذلك أرى وجوب تركها للقيم والضوابط الفردية، لأن تعميمها لا يعني شيئا. الهوية في العالم الحي تستند على شيء إسمه المواطنة فقط وتحددها دساتير وقوانين قابلة للتعديل، أما ما عدا ذلك فهي أمور ذوقية على مستوى الفرد وثقافية على مستوى الجماعات، وهي دوما تحت التطوير، شئنا أم أبينا، ولا تفلح محاولات صقلها أو هندستها بالعسف والتقنين. اليوم أصبحت الهوية، مع الدين والثورة، إحدى الكلمات الفضفاضة التي يوظفها الديماغوجيون لخدمة أغراض سياسية. والعويل على الهوية هو قرين السقوط الثقافي ولذلك نجد الثقافات المتهالكة دائما تقرنها بمفاهيم أخرى مضحكة. مثلا، الثقافات التي تقدس لغز الهوية هي عادة نفس الثقافات التي تحاول أن تجعل من اللغة شيئا آخر غير كونها وسيلة إتصال، ولهذا نجد تلك التسميات الغريبة مثل "فرانكوفونية" وعلى غرارها نسجت "أمازيغوفونية،" وهذه الأخيرة يراد لها أن تعني في ليبيا ما تعنيه في المغرب، مثلا، وهو تضخيم وغلو يتناقض مع الواقع العملي.

لا يفاجئنا تنوع نظرات دعاة الأمازيغية نحو الهوية الأمازيغية، دع عنك الهوية الليبية! من هم الأمازيغ؟ هل هم من يسميهم البعض "المتحدثون بالأمازيغية،" والأقرب للصواب هو "المتقنون لبقايا لغة منقرضة تستعمل محليا بشكل تقليدي مراسمي ولا تسد حاجات العصر بشكل عملي"؟ ثم ماذا عن الآلاف المؤلفة من الذين يحسبون أنفسهم أمازيغ\جباليين\بربر رغم أنهم لايفقهون شيئا من اللغات المحلية غير العربية؟ لماذا ننكر عليهم إحساسهم بأمازيغيتهم؟ أم أن هوية الأمازيغ تستند على السجل العقاري وتكمن في كونهم "أصحاب الأرض" كما يدعي البعض؟ أم أن الأمازيغ طائفة نسلية يفترض نقاءها في بقعة من الأرض أقل مايقال عن تاريخها أنها كوريدوري لمختلف الأجناس؟ أم أن الأمازيغ يشكلون نحو ثمانين بالمائة من الليبيين حسب قياسات علم الجماجم وغيرها من الشعوذات التى تسمى بالعلوم النازية؟ لا أظن أن هناك إجماع بين دعاة الأمازيغية عن الهوية الأمازيغية في ليبيا، ولا غرابة في ذلك، لأن هذه الأمور دوما تحت التطوير. بتفعيل الحوار الديمقراطي ربما نرقى إلى مستوى أعلى من الإجماع حول ما هو أمازيغي وحول مايشكل الهوية الليبية.

موقف دعاة الأمازيغ من الإسلام كأحد ثوابت الهوية؟ هناك عدة جوانب لهذا الموضوع، وقد تطرقت لأحدها أعلاه، وهو أن فكرة "ثوابت الهوية" تعبر على نوع من ضيق النظر. طبعا هذا لايعني تجاهل واقع العوامل المؤثرة في الثقافة الليبية، ولكن الإسلام والعربية عوامل حديثة من منظور تاريخي، ولا نحسب أن هناك جدال حول ديناميكية هذه العوامل. فهل كان إسلام الفاطميين مثل إسلام السنوسيين، وهل كانت عربية القرمانلي مثل عربية القذافي، وإن لم تتطابق تلك الصفات جوهريا، فماذا تعني كلمة الثوابت هذه؟ ولكن، بغض النظر عن الثبوت والتحرك، لنرجع إلى صلب موضوع موقف دعاة الأمازيغية من الإسلام. بخلاف مايراه البعض من خروج وتحامل على الإسلام في الدعوة الأمازيغية، أنا أرى أن الأمازيغ يوظفون الإسلام و"التأسلم" لأغراض ديماغوجية ترمي إلى تعبئة عاطفية، وليس لها حاجة منطقية على الإطلاق. مثلا، كثير من الأمازيغ ينشغل بموضوع تبرئة الإباضية من تهمة الخروج والإختلاف. وكثير من الأمازيغ يوظف البروباغاندا الإسلامية من شاكلة "إستشهاد المجاهد خليفة بن عسكر." متى أصبح بن عسكر مجاهدا، وبأي عقل يمنح لقب الشهادة، وما الداعي لكل هذا التطبيل الممل؟ في الحقيقة، للأمازيغ مطالب عادلة وهي مطالب إنسانية بحتة، مبنية كما أسلفنا على مفهوم المساواة الإنساني، اللاديني، اللارباني ولا شيطاني؛ ولا تتوقف شرعية حقوق الإنسان على ديانته. ولن يتمتع الأمازيغ ولاغيرهم بحقوقهم الإنسانية إلى أن يقبلوا بأن سندها الخلقي لا ينحصر في هذه الديانة أو تلك. ولكن أمازيغ ليبيا، كغيرهم من الليبيين، لازالوا يغرسون قيمهم في أرضية الأوهام، ولذلك لايحسون الفرق بين البسباس في سوق الخضار والبسباس على شاشة التلفزيون.

٤. ماهي أنواع الاتجاهات والتياراتالموجودة داخل الحركة (الأمازيغية) الليبية وهل هناك اتفاق على الحد الأدنى من المطالب ؟

من وجهة نظر المشاهد المنفصل يبدو أن هناك تيارات متعددة. ولكن يجب أن نراعي نقطة مهمة عند التعامل مع ما يسمى "حركة" لأن هذه التسمية تتطلب تواجد منظمات فاعلة. للأسف، أغلب ما يسمى "منظمات، " أمازيغية أو غيرها، هو في الواقع حفنة من الأفراد، وفي معظم الحالات عدادها متنازل وتفاعلها يسير في إتجاه أحادي على شكل بيانات وتصريحات من المنظمة إلى الجمهور. فأين مسائلة الجمهور وأين عطاءهم الملموس؟ كلما تتجرأ "منظمة" بنشر تقاريرها يتجلى أمامنا فقر المجتمع الليبي للثقة في الذات، وهذا وجه آخر للمصيبة التي يعبر عنها سكان العمارات في ليبيا بتحصين بلكوناتهم حتى في الطابق الثالث! المشكلة أكبر بكثير مما تبدوا، ولا يمكن أن نعلق كل اللوم على فشل المنظمات. مثلا، التجمع الجمهوري = أربعة من الناس، منتدى ليبيا للتنمية البشرية والسياسية = ستة من الناس، إلى باقي القائمة. الجميع يحملون صفة "عضو مؤسس،" وكم أتمنى أن نرى أعضاء غير مؤسسين في هذه المنظمات، أو نرى أي نوع من مؤشرات النمو ليعادل مانراه من إستقالات وإضمحلالات! بإختصار، ليس من الغريب أن تختلف الأراء والإتجاهات فيما يسمى "منظمات" لأنها إنعكاسات مباشرة لإختلافات شخصية غير متبلورة في أطر تنظيمية. وهذا التشتت هو وليد التخلخل الثقافي الناتج عن الخلط بين الأحلام والأوهام، وبين الإنجاز والإعجاز.

٥. كيف تنظر مؤسسات ومنظمات حقوق الانسان والأحزاب والتنظيمات والنخب الليبية للمسألة الأمازيغية ؟

في الحقيقة أن "المنظمات" الليبية، ربما بحكم فقدانها للعمق التنظيمي، تجهل أو تتجاهل المسألة الأمازيغية، كما هو الحال مع أي أمر قد يعد موضعا للإختلاف ولا يتمشي مع ثقافة "ممنوع اللمس، ولكن الطعن في الظهر على كيفك". المنظمات الليبية عادة تواجه المراجعة والتقويم بالتستر وراء شعار "المصلحة الوطنية" أو "المرحلة النضالية" أو غيرها من محاولات توحيد الهدف بتضييق دائرة الرفض والمعارضة. ولا أستبعد يوما من الأيام قد نرى فيه القذافي يلقي خطابه النهائي بجانب طائرة منفاه، مستذكرا مقولة ريتشارد نيكسون، "لن أكون لكم لترفسوني بعد اليوم." فهل سنرشح شيطان جديد لمنصب المرفوس الوطني عندئذ، أم أننا سنتشجع ونواجه إختلافاتنا؟ المنظمات والمؤسسات والأحزاب الليبية في الغالب لا تخرج عن حدود الحقوق المنتهكة من قبل الحكومة إلى الإنتهاكات الإجتماعية\الثقافية الغير مقننة والتي تعد مثيرة للحساسيات. ومن بين المواضيع نجد موضوع الأمازيغية، وكذلك حقوق المرأة، والتمييز ضد السود، وحقوق ملكية المرأة تحت قوانين الميراث الإسلامية، وحق الحياة وعقوبة الإعدام، وحرية العقيدة، وحق الردة، وقابلية الإسلام للمساواة وللرفض، وغيرها. ولهذا السبب لا يجوز الخوض في تاريخ أعوان النظام إذا تمردوا عليه وتابوا للمعارضة، ولكن لا مانع من جرجرة تاريخ المعارضين إذا إرتدوا. المنظمات الليبية تنظر إلى نفسها على أنها مؤقتة أو ظرفية، ولذلك فهي لاتملك مجالا للخوض في المواضيع التي تعدها "جانبية." ولكن من الصعب تبرير هذه النظرة عندما تدوم الحالة الظرفية عقودا من الزمن فتصبح "حركة المعارضين" أمرا شاذا، مثلها مثل "ثورة الشيابين."


التسميات: