شق الغمّة على خلط الإسم بالمسمى
السادة أعضاء هيئة تحرير صحيفة تاوالت، بعد التحية:
تحتوي هذه الرسالة تعليقا على مقالة بقلم محرر تاوالت، بالإضافة إلى ملاحظات عامة حول ما يسمى بالقضية الأمازيغية وتفاعل عامة الليبيين معها. نرجو أن تنشروها على صفحتكم في أقرب فرصة. وشكرا.
-- ضمير مستتر
شق الغمّة على خلط الإسم بالمسمى
مقدمة
تحت عنوان القضية الأمازيغية أوالحق الأمازيغي تختلط أفكار كثيرة في الوسعاية الليبية ويكثر التناقض بين الشعارات والممارسات، ونعود للبداية لنتسائل: هل الأمازيغية قضية وطنية أو قضية طائفية؟ وهل تنساب مطالب الأمازيغية من منبع الإنصاف والمساواة، أم أنها تتساقط من سحابة الإسعاف والمواساة؟
لن نجادل الحقائق العلمية في كل ما يسمى أمازيغي، ولا حتى الحقائق التاريخية (إن صحت التسمية) ولا شك أن كل إنسان أهل للحقوق المؤسسة على المساواة. ولكننا لا نقبل الأمازيغية كمسوغة وراثية نسْلية تؤهل حاملها للإستثناء، ولا نقبل تصنيف أهل الحقوق بمفردات علوم الجماجم والخياشم وغيرها من شعوذات "د. منغلي/منقلي" وإلا حتى منشوي.
قبل أن تصبح الأمازيغية قضية وطنية، لا بد من طرحها في متناول الجميع ولابد أن تكون دائرة المشاركة فيها واسعة، سواء مشاركة إيجابية أو سلبية. ولكن الموقف الحالي لعامة الليبيين تجاه الأمازيغية هو عدم الإكتراث مع قليل من الضحكات الصفراء، وربما نتج هذا التبلد عن إفراط الليبيين في تعاطي المسكنات والمسكتات من فصيلة "كلنا مسلمون" و"كلنا ثوريون" و"كلنا حسب الطلب" والداء في "كلنا".
نعم، في الجماهيرية الطعنظهرية تنتهك حقوق الأمازيغ بآلية الدولة. ولكن على المستوى الإجتماعي يجري التمييز والتعصب القبلي ذهابا وإيابا، ولا أظن أننا ننصف الأمازيغ إذا تحدثنا عنهم كضحايا بغض الطرف عما يمارسون من تمييز ضد الآخرين، كتمييزهم ضد الجنس الأسود على سبيل المثال. وحتى بين أعضاء المجموعة الواحدة نجد التعصب والتمييز بناءا على تفاوت مفترض لنقائهم أو طهارتهم العرقية، فهذا حر وذاك عبد أو مستعرب، وهذا شريف والآخر وصيف، إلخ. إذا، برنامج الإنتهاك المنظم لحقوق الأمازيغ بشكل خاص، رغم أنه قد يتفق إستراتيجيا مع بعض أطراف التنازع القبلي، فهو لا يتنفذ إلا بآلية الدولة (أو الحكومة) التي يتشارك فيها الأمازيغ مع باقي المجموعات بنصيب يبدو متناسب. ولذلك فإن خلط الجوانب السياسية بالإجتماعية تحت عنوان القضية الأمازيغية لا يعزز واقعيتها بل يؤدي بها إلى التجاهل، في أحسن الأحوال.
لا تحظى القضية الأمازيغية بإهتمام موسع حتى في الصحافة الليبية المستقلة، أو بالأصح في أكشاك الموزعين الفرديين للصدقات الإعلامية. على الرغم من تنوع الخطاب، لا نجد جهودا مركزة ضد الأمازيغية أو ممارسات مكثفة للتمييز ضدهم، بينما نجد دائرة الناشطين المناصرين محصورة في عدد صغير ممن يحسبون أمازيغ أو جباليين على مستوى قبلي-نسلي-بيولوجي. فأين هي الأطراف الأخرى في القضية وكيف نفسر غيابها؟
لا شك أن فتور عامة الليبيين تجاه ما يسمى بالقضية الأمازيغية هو مايجعلها بالضرورة قضية طائفية/جهوية تخص فئة محدودة. وستنعم الأمازيغية بالتجاهل طالما أن دعاتها لا يتجاوزون الخطوط الحمراء، أي طالما أنهم شركاء في سوق المسكنات. طبعا، دعاة الأمازيغية يدركون جيدا أنه لا وطنية لقضية بلا إقحام الأغلبية، ولذلك نجد بعضهم يروجون أن الأغلبية الصامتة هي في الحقيقة شريكة مغفلة لأن أفرادها أمازيغ ولكنهم لا يعلمون. ويذهب اليعض إلى التدجيل الإحصائي (المهذب) معلنا أن نسبة الأمازيغ بين سكان ليبيا تقارب الثمانين بالمائة أو نحو ذلك. ولكن المنبهات الإحصائية سرعان ما تتلاشى في رياح العنصرية التي تهب من نفس المصادر، وهي نفسها الرياح التى تدفع عامة الليبيين بعيدا عن مركز الشراكة الفعلية.
يوحي لنا المؤمزغون تارة بأننا جميعا أمازيغ، ثم يعودوا ليفتخروا بيننا بأن لاعب كرة ليبي مشهور هو لاعب أمازيغي، أو بأن أول حامل شهادة دكتوراة ليبي كان أمازيغي. ونحن بدورنا نتحير: إذا كنا جميعا أمازيغ، أو حتى بنسبة ثمانين بالمائة، فماذا تعني أمازيغية اللاعب (نّس) أو الدكتور المولود في كباو (نّس)؟ ماذا تضيف أمازيغية هؤلاء لهم كليبيين وما هو محلها من "التمجيغ" إن صح التعبير؟ وعلى أي أساس يتم تمييز الأقلية المختارة عن الأغلبية المغفلة، إن لم يكن تمييز على أساس بيولوجي/جماجمي/حفري متعصب؟ إن عدم إكتراث الأغلبية بما يسمى بالقضية الأمازيغية لا يؤكد جهلها بقدر مايؤكد نفورها من منطق التمييز. ومن جانب آخر، عدم إكتراث الأغلبية يدفع المؤمزغين إلى مزيد من التقوقع والتطرف، ولعل المثال التالي يسلط الضوء على نموذج آخر من خلط الإسم بالمسمى والتمادي في التغريد داخل السرب.
وجه الحاج اللي حج بيه
نشرت مؤسسة تاوالت مقالة يحتج فيها الكاتب على بيان سابق من منظمة الرقيب حول إنتهاك حقوق الليبيين بموجب ما يسمى قانون حظر الأسماء الغير عربية. كاتب المقالة هو محرر تاوالت الحالي، والذي يتمتع بكامل حقوق التسمي خارج ليبيا، السيد محمد عاشور/موحمد عاشور/ماسينيسا كاباون/إلخ. وفي سياق تعليقه على إستنكار منظمة الرقيب لقانون حظر التسمي وردت الفقرة التالية:
رغم انني لا أبخس الخطوة الجريئة التي قامت بها مؤسسة الرقيب في شهر مارس الماضي, الا أنهم أخطأو _ ودائما بدون قصد _ في عبارة تقول : " وقد ترتب على هذا القانون منع تداول الاسماء الغير عربية كالامازيغية أو التركية " وهل يمكن ان نقارن الاسماء الليبية الاصيلة ببعض اسماء عائلات تركية طاب لها المقام في ليبيا عقب الغزو العثماني لها !!؟. أم أنها اشارة الى ما مفاده _ ماحّد خير من حدّ _ ويتساوى اصحاب الهوية والارض مع بقايا أسماء تركية، وعلّق صديق " بيكحلها عماها "،
في الحقيقة، بيان مؤسسة الرقيب نشر في يناير الماضي، ولم ينشر في مارس؛ والعبارة المعنية لا تشير لأسماء "تركية" بل "عثمانية." ورغم أننا نفضل كلمة "تركية" لتحديد الخلفية الثقافية لتلك الأسماء، نتمنى أن يكون المحرر أكثر حرصا في المستقبل وألا يقدم معلومات خاطئة على شكل نصوص منقولة، لأن مخالفة الحقائق المتاحة قد تعد دليلا على التكاسل أو التزوير.
يبدو أن محرر تاوالت يفصل بين مفهوم الحقوق ومفهوم المساواة، أي أن الحقوق ليست بالضرورة مبنية على المساواة وقد تكون مبنية على تفضيل البعض على الآخرين، كتفضيل ملاك الهوية على بقايا العصمانلي. وهذا النوع من التفضيل قد يكون مشروعا بإتفاق على أساس مبدأ الجبر والتعويض، ولكن السيد المحرر أشار -- كإشارة جحا لأذنه-- أن موقفه ينبع من رفض مبدأ "ما حد خير من حد." ولذلك نقترح على سيادته أن يعرف مبادئه ومعاييره بطريقه مباشرة، مثلا بعبارة " يولد الناس سواسية... ولكن بعضهم أكثر سواسية من بعض."
يستنكر المحرر مساواة حق إنتقاء الأسماء الأمازيغية بحق إنتقاء غيرها من الأسماء، ويعلل الطبقية التي ينشدها بالخلط بين الإسم والمسمى. فهو يرى أن الأسماء الأمازيغية تتميز بكونها ملك أصحاب الأرض والهوية، على حد قوله، ويستنكر وضعها قانونيا على قدم المساواة مع أسماء أخرى يعرف أصحابها بأنهم "عائلات تركية طاب لها المقام في ليبيا" (يعني مجرد تمديد إجازة) ثم ينكر عطائهم وحيويتهم الإنسانية بكاملها، واصفا إياهم -- كالجماد المتآكل -- بأنهم "ما تبقى من عائلات العصمانلي." إن هذه العبارات النابزة تعبر بوضوح عن نظرة ضالة لأسس الحقوق. ولو أن سيادة المحرر أدرك ماقال والتزم به لأزال إسم باشا الذي يتزين به إسم سليمان الباروني وتاريخه على صفحات تاوالت كرمز لمكانته الوطنية.
الأصل في الحقوق هو العدل والمساواة، والمستفيد والمؤهل لحقوق الإنسان هو المسمى وليس الإسم. فالحق هو حق الإنسان أن يتسمى وليس حق الإسم أن يُنتحل. ولذلك فإن شرعية حق الأمازيغ في التسمي لا تتوقف على خواص الإسم المختار، بل هو حقهم كغيرهم من البشر، ولا تنحصر شرعيته في حدود الأسماء الأمازيغية، لأنه حق أي إنسان في إنتقاء أي أسم. ولو أن أحدا من "بقايا العصمانلي" حرم من تسمية إبنته بإسم أمازيغي، بينما حرم مواطن من بقايا الأمازيغ من تسمية إبنته بإسم عصمانلي، فهل سينظر السيد المحرر للحالتين بالتساوي؟ إن موقفه السابق يوحي بأن الأمر سيختلط عليه لأنه لا يدرك أن صاحب الحق هو الإنسان وليس إسمه، ولا يدرك أن حق التسمى بأسماء أمازيغية أو حتى أسماء مرّيخية، لا يتوقف على أي إنتماء عرقي للمسمى. وربما يرى البعض في تعدد أسماء المحرر مقياسا لنصيبه من الحقوق، ولكننا نرى أن موقف السيد المحرر يجيب بوضوح على تساؤلاتنا الأساسية. إن طرح القضية الأمازيغية يخلط الإسم بالمسمى، وعدم تفاعل الليبيين هو ما يؤكد أن القضية المطروحة قضية إسمية وليست فعلية.
أخيرا، وفي ضوء ما تقدم، نرسل لكم الأبيات اللاحقة كهدية رمزية لمحرر(نّغ)، راجين أن يراعي فيها روح الدعابة والمبالغة التي عادة ما تصاحب الوخز المقفى.
يا حليلي مـ المازيغية ... دارت عنوان بلا حوش
وحلفت هاذي هي الهوية ... تبّوا ولاّ ماتبّوش
ما يرفض مني الهدية ... إلا اللي جذره مغشوش
لاني ليه ولاهو ليّ ... وخوذوا الدوة بالمفقوش
يا واقي!
فضلة عربان وعصمانلية ... مع أولادي ما يتساووش
ولعبدّة طول ماني حية ... من صونيتي ما ياكلوش
أني عرقي ما يولدش الكيّة ... بالزبل الرومي مفروش
وراوي بشخاخ الرقريقية ... نين غارق فيه البلبوش
أني رمز الدولة الحفرية ... فيقوا ياللي ماتدروش
إييح!
قلنا يا مابهاك قضية ... تلم الثابت والمرعوش
جنب حجابات السنوسية ... زيدونا مسحة وبيوش
شن ناقص؟
قول خذينا كيلو ومية ... وقلنا نمشوا وما نبطوش
نسرفنا واجد موش شوية ... إندوروا إندوروا وما نلقوش
تـ وينه حوش المازيغية... وين الأوتشو بالعلوش؟
وين المربوعة الوطنية ... وين المندار المفشوش؟
قالك شبكة الأمان!
بانت في عين الرومية ... حفيانة ورداها منتوش
لا سفساري ولا فراشية ... غبرا كيف معيز الهوش
كرت جير وسطل أمية ... وقالت شوفوا وماتمسوش!
خطت شيء على الأرضية ... ودقت وشمة عـ الخنشوش
خسارة نانا، مية المية ... تهندس لبنية لعشوش
كتبت عنوانا بالنسْلية ... حروفه مـ القبر المربوش
بتحلب ثدي الأب-جدّ-ية ... طاحت في عكعك ما يقروش
يا حليلي مـ المازيغية!
-- ضمير مستتر
عضو معشش بمنظمة العقول الليبية الفوق أرضية (علفا).
mindamir@yahoo.com
---------------------------------------
مراجع
مقالة السيد المحرر
بيان منظمة الرقيب
التسميات: الأمازيغية, تاوالت
1 تعليقات:
رد محرر تاوالت
ازول , سلام ,
وصلتني مقالتك أو ردك على مقالتي المنشورة في تاوالت , ورغم انني لاأدري ما اذا كنت أرّد على ضمير مستثر تقديره هو أو تقديره هي , غير ان ذلك ليس مهما كثيرا , لاننا نناقش افكار وأراء وحتى اجتهادات , ان صح التعبير , ومرد حيرتي هو فقط لكي أعرف كيف اخاطبك , بصيغة المذكر أو بصيغة الموئنث ؟ يا أخ _ ت , يبدو انك تمسك السلم بالعرض , لانني تحدث عن قوانين يفرضها نظام ليبيا الحاكم ويمنع فيها استخدام الاسماء الامازيغية الليبية , وهذه حقيقة لاتستطيع ان تنكرها , وكنت سأرد عليك واتحاور معك بهدوء وبدون شطط وحدف كلام على وجوه العباد , لكنني وجدت مقالتك مليئة بالكلمات الغير قابلة للنشر وحتى غير قابلة للرد , فكيف أرد على كلمة (الزبل) مثلا , هل سأرد اليك ( زبلك ) أو تريدني ان اناقش افكارك , على العموم , اذا وصلتني منك مقالة مهذبة أورد يستحق التوقف عنده بدون قفز في الهواء فسوف أرد عليك واناقشك , وتأكد اننا شركاء في الوطن ولانريد ان نقف على ضفتين متقابلتين أو نرسم خطا ما بيننا ونتنابز بالكلمات , انت ايضا معني بالقضية وبشكل مباشر لانك ببساطة ليبي , وتأكد انني لاابخس افكارك ولا اتجاوز عقلك, فقط نتحاور مع بعضنا بهدوء وبعيدا عن ( الزبل ) , تانميرت , ماسينيسا كباون ,
Mon, 16 Aug 2004
الكاتب: ضمير مستتر بتاريخ الأربعاء, 18 أغسطس, 2004
إرسال تعليق
عودة إلى المدخل