مرة أخرى: مجلة (الحقيقة) وعصبان النّم
السيد عيسى عبد القيوم، رئيس تحرير مجلة "الحقيقة"، بعد التحية.
أرجو أن تسمح لي بإبداء بعض الملاحظات والآراء، منها تعقيبات على ما ورد في حوارك مع السيد صالح منصور بخصوص مجلتكم، ومنها ما يتعلق بجوانب أخرى من المجلة، قد تكون عينة ممثلة لبعض معالم الركاكة المتفشية في الإعلام الليبي بشكل عام. لا أخفيكم سرا أنني أميل إلى نبش التفاصيل، وقد ترى يا سيد عيسى أن أسلوبي يميل أحيانا إلى السخرية والتهكم، وهو رأي صحيح، ولكن ينحصر الهدف في دائرة ما ظهر من أعمال وأقوال وليس الهدف تجريح الأشخاص أو رجمهم بالغيب أو إجتياح حرماتهم. وأرجوكم المعذرة على طول هذه الرسالة وعلى كثرة تفاصيلها، ولكن، كما يقال، "لو كان وقتي أطول، لكانت رسالتي أقصر."
أولا، من باب التذكير، أقول أنني راسلتك سابقا مع مجموعة من كتاب مجلة "الحقيقة،' في سبتمبر الماضي تحديدا، برسالة (حصر الحقيقة بين السقيطة واللقيطة.) وفي تلك المناسبة لم يفاجئني صمتكم أوتجاهلكم، إدارة وكتابا، بقدر ما أكد نظرتي تجاه مجلتكم التي تدعي أنها (مصفاة النخبة) وأنها مجلة (أكبر الأقلام الليبية.) طبعا، لا يعقل أن نحملك مسؤولية إدارة المجلة قبل إحكامك بزمام التحرير وإصدار الأعداد ٩-٢١، لكننا نستغرب كيف فاتكم أن تبدلوا عبارة (أكبرالأقلام) بعبارة (أعظم الأقلام)، خاصة بعد أن توفرت تحت إدارتك للمجلة خبرات عملية معلنة في صناعة التعظيم والخدمات الشفهية.
فلنلتفت إلى ردك تحت عنوان (وجهة نظر) على ما كتبه السيد صالح منصور تحت عنوان (في رحاب الحقيقة ١)، وقد نشرت براكة (أخبار ليبيا) الرد والمقال بتاريخ ٤١\٣\٥٠٠٢.
موجز الحوار أن السيد صالح منصور إنتقد مجلة الحقيقة بناء على مقالة سابقة بقلم السيد عيسى، ولذلك إحتج الأخير على خلط الأول بين الآراء الشخصية والتصريحات الرسمية. ولا شك أن الفصل بين الآراء الشخصية والمواقف الرسمية مطلب عقلي سليم. ثم لا شك --عندي--أن مقالة السيد عيسى التي إستند عليها السيد صالح لا تشكل--بمفردها--جسرا منطقيا سليما أو مبررا لخلطه الصريح. ولكن المسؤولية في الفصل تقع عليك يا سيد عيسى قبل غيرك، ولايعقل أن تسبق غيرك للإلتزام بمباديء لم تراعيها.
مثلا، أنظر يا سيد عيسى إلى مقالة أخرى بقلمك، سبقت مرجع السيد صالح، وهي مقالة بعنوان (خطاب البحث عن الثوب) المنشورة على العنوان التالي:
هذه المقالة--في نظري-- تعبر عن رأيك الشخصي ولا تدور في فلك مسؤوليتك الرسمية كمحرر لمجلة (الحقيقة.) ولكنك خلطت الأمور عندما ذيلت المقالة بتصريح رسمي يتحدث عن قيم المجلة وما سميته "هدفها الذي لن تتخلى عنه." فهل هناك حقا أي إرتباط موضوعي بين تعليقك الشخصي على خطاب القذافي (أو حتى قفاطينه) وبين أهداف مجلة الحقيقة وإلتزاماتها؟ وهل بإمكانك أن تبين السبب في ردم تصريحك الرسمي تحت رأيك الشخصي؟ المتتبعون لأمور ومواقف مجلة (الحقيقة) يجب أن يتم إعلامهم بطريقة مباشرة، واضحة، ومستقلة. وإفتراضك أن جميع من يتتبع أخبار المجلة سيقرأ بالضرورة آرائك الشخصية، هو إفتراض غير مبرر على الإطلاق، ولا يقوم على أساس منطقي، إنما يقوم على الخلط الضمني بين دورك الشخصي ودورك الرسمي، ويمثل، بطبيعة الحال، دعوة للآخرين أن يحذوا حذوك. وبالمناسبة، أضيف صراحة أن إفتراض تعميم التصريح رغم إقترانه برأي شخصي قد يعبر عن نوع من التكبر أو التهرب من المسؤولية.
ورد في مقالة السيد عيسى:
وهنا لنا وقفات.
أولا، الرأي المنصوص أعلاه يبدو كالجهل المغلف بالبديهية، والغلاف الشفاف قد يحول دون اللمس ولكنه لا يخفي ما بداخله! من المعلوم يا سيد عيسى أن هناك سلاسل مسلسلة من القضايا القانونية التي لاحقت الجهات الناشرة بسبب ما نشرته، منها ما فشل ومنها ما نجح. مثلا، ربما تذكر قضية سيف القذافي ضد الصحيفة الإنجليزية، أي ضد الناشر.
مسؤولية النشر في نظر القانون ليست مسألة بديهية على الإطلاق، وحسب علمي، لاتوجد قوانين "دولية" تحدد المسؤولية في النشر، بل لكل بلاد عزاها. وحيث أن مسؤولية الإعلام المبث (راديو، تلفزيون) لا تتساوى عادة بمسؤولية الإعلام المطبوع (كتب، جرائد، إلخ) هناك صعوبات عديدة أمام ضبط هذا الوسط الجديد الذي يجمع بين خواص الأوساط التقليدية. عمليا، قوانين النشر على الإنترنت تعتبر تحت التطوير. ولكن الجهة الناشرة ليست معفية من المسؤولية، ولا محصنة، وإلا لأسقطت جميع الدعاوي ضد "الوسائط الإعلامية" تلقائيا، أو قل بديهيا! تفضل بقراءة المثال التالي عن قضية ضد شركة Prodigy التي ثبتت عليها المسؤولية لآنها أخذت على نفسها مهمة التحرير، رغم أنه تم آليا\ تلقائيا، فما بالك عن مجلة يحررها طاقم إداري معلن عن دوره ومسؤوليته مسبقا! المصدر:
ثانيا، عملية خلط الأمور الشخصية بالأمور الرسمية هي عملية متكررة من طرف مجلتكم، ولم تنحصر فيما بدر من جانبك. مثلا، لاحظنا أن من
عادة السيد طارق القزيري إشهار إرتباطه بمجلتكم ضمن مقالاته التي ينشرها خارج المجلة. كيف للقاريء أن يترجم عرض عنوانكم الرسمي تحت مقالة منشورة خارج مجلتكم؟ ألا يمثل العنوان إشارة إلى وقوع المقالة في مجال إرتباط كاتبها بالمجلة؟ وإن تحولت مجلتكم إلى وحدة خدمات بريدية توفر العناوين للأغراض الشخصية، فبإذنكم نسأل: بالله ما نحصلوش منكم عنيوين نطرحوا فوقه قرابيجنا؟
البديهي والطبيعي، يا سيادة المحرر، أن كل ما يحمل إسم أو شعار أو أي رمز رسمي لمجلة "الحقيقة" بعلم إدارتها فهو جزء من مهمتها الرسمية. وحيث أن عنواين البريد الشخصية متوفرة مجانا من مصادر مستقلة، لا توجد أي ضرورة تدفع بكتابكم إلى الإتكال على عنوانكم الرسمي، إلا أنهم يغرسون تلك المقالات في حيز أعمالهم الرسمية، وبذلك يشركون المنظمة في جني الرطب وكنس العفط! وأي منظمة لا تعمل على تحصين إستقلاليتها ضد أثقال الحشم والشللية، هي في نظري مجرد حزب أو عصابة تجرها العواطف والعصابية ولا يقودها العقل والإلتزام بمباديء الجودة والإتقان المهني.
من الواضح، ولا أقول بديهي، أن مجلتكم سباقة في الخلط بين ما هو رسمي وما هو شخصي. ومن الواضح أيضا، مع إحترامي لأشخاصكم، أن خبرتكم المهنية ضحلة جدا، سواء في مجال الصحافة أو خارجها. فكل من يمارس عملا في جهة منظمة يعلم أن الفاصل بين الشخصي والرسمي سيف بحدين: لا يجوز للسيد صالح أن يلبّس آرائك للمجلة بدون مبرر؛ وقبل ذلك، لا يجوز للعاملين بالمجلة أن يتلبسوا بشعارها عندما "يدرسون خارج القاعة."
ذكرت يا سيد عيسى ضوابط وقوانين دولية في مجال النشر والإعلام، فأي "القوانين الدولية" أو حتى الأعراف يخول الكتاب والمحررين أن يحشروا تصريحاتهم الرسمية أو أن يشهروا إرتباطهم المهني في سياق إدلاءات شخصية بحتة، خارج حدود العمل؟ وأي أعراف تبرر إزدواجية معاييركم في التعامل مع بريد القراء؟ لماذا ترفضون ما يعارضكم في حين أنكم لم تتراجعوا في نشر ما لا يمت للمجلة بصلة، كشعر من العراق، أو إحتجاج على إسم المجلة من أحد الخرافين، بل أنكم لم تتراجعوا حتى في العودة على بريدكم المدفون لتنتقوا منه مايمكن إستثماره في سوق المقايضات-- راجع: مقايضتكم مؤسسة تبرة تحت غطاء تصحيح في العدد العاشر لآخطاء وردت في العدد السابع! ومن يدري، ربما في السنوات القريبة القادمة يأتي دور رسالتي التي وصلتكم قبل صدور العدد الثالث!
في ختام "حصر الحقيقة،" ذكرت أن حقيقتكم مجهضة بنفاق القائمين عليها قبل قصرهم، وكنت قد بينت فيها ما خالفه محررها السابق من عهود. وفي ختام هذه الرسالة سأتناول مثالا يبين جانبا من قصر القائمين على المجلة، عسى أن يعود ذلك بالنفع عليهم وعلى غيرهم من هواة الإعلام والثقافة.
في غضون ولاية السيد عيسى على التحرير، نشرت المجلة مجموعة من المقالات بعنوان "تاسكلا،" يقول كاتبها أنها تتناول الأدب الأمازيغي، ويقول أنه شارك بها في "مجلتكم الغراء"، حسب تعريفه، إستجابة لطلبكم عبر مكالمة هاتفية. في الظاهر، تأتي هذه المقالات على شكل سلسلة من ثلاثة حلقات على الترتيب التالي:
http://al-haqiqa.com/nov04/adabtwo.htm
http://www.al-haqiqa.com/jan05/adabtwo.htm
http://www.al-haqiqa.com/mar05/adabtwo.htm
ولكن الأجزاء المنشورة لا تشكل سلسلة بمعنى الكلمة لأن ثانيها مجرد صورة مطابقة لأولها! لازال ذلك التكرار قائما منذ إصداره العدد العاشر
في يناير الماضي، أي ما يزيد عن أربعة أشهر. في هذه الفترة، قرأ المجلة من قرأ، وأصدرتم عددا أضفتم فيه حلقة جديدة من سلسلة "تاسكلا" بدون تصحيح ما سبق، وكتبتم ما كتبتم أفرادا وجماعات عن الإعلام والثقافة، وطالبتم بمواثيق الشرف، ونقلتم لنا مانهلتم من مرابيع الرشف، وأشرتم إلى ما أشرتم من إعوجاج في الرقاب، و و و. ولكن تبقى الحلقة الثانية من سلسلة "تاسكلا" حلقة مفقودة، تحل محلها صورة مكررة من الحلقة الأولى إلي تاريخ اليوم.
أين المراجعة ومسؤولية التحرير، وأين الجودة التي تشترطون أن تكون متوفرة في رسائل القراء؟ أربعة أشهر إنقضت ولا أحد ينتبه إلى سقوط حلقة من سلسلة في سلة الإهمال. في هيكل المجلة هناك طبقات إدارية مفصلة، من "رئيس تحرير" إلى "مدير تحرير"، إلخ، ولكنكم جميعا "رؤوس وأعيان" وحملة ألقاب، ولا يوجد بينكم عمال وحملة مسؤولية. وأشدد على أن مثال "تاسكلا" لا يمكن أن يبرر بغطسه في بركة "سقط سهوا،" لأنها بركة مزدحمة أصلا، ولو أردنا أن نعرض ما فيها فلن نجد ما يكفي من الوقت، ولذلك إكتفينا سابقا بالقول أن الموقع من حيث الإخراج الفني يمكن أن يستدل به لإصطلاح إسم جديد في عالم الإنترنت، كبديل لإسم "شبكة،" ألا وهو إسم "غفة" أو "لحية". القصر المتمثل في إخراج ونشر سلسلة "تاسكلا" لا يمكن أن يعزى إلى هفوة أو سهوة عابرة لأنه يحمل دلالات عديدة على نطاق أبعد وأوسع من دائرة الأداء التقني البحت.
خارج نطاق المجلة، نوجه اللوم إلى من كتب تلك الحلقات وقدمها لمجلته "الغراء" ثم لم يكلف نفسه حتى التأكد من نشرها سليمة كاملة. يالها من غراء هذه المجلة التي لا يهتم بها حتى كتابها! وأضف إلى ذلك أن مدير مؤسسة تاوالت العرقية ( السيد محمد عاشور) كان ضيفا لديكم في العدد العاشر، وقد نقلت مؤسسته مقالة "تاسكلا" المكررة ونشرتها دون أن تعي تكرارها وضياع أختها. والسبب في تغفل ذوي الهوية أنهم "عكعك مايقروش" بل ينظرون للمقال كشعار يلبس أو علم يلوح ثم يردم، وليس كمادة تحرر لتقرأ وتمحص وتنخص وتبربش ثم تهضم.
ماذا يحمل هذا الحدث من دلالة على تفاعل الجمهور مع مجلتكم؟ في نظري، هذا دليل آخر على إدعائي في رسالتي الأولى بإن تفاعل الجمهور مع مجلتكم يقع بين التجاهل والفتور، كما يؤكد هذا الحدث أن التجاهل لا ينحصر في القراء بل ينتشر حتى بين الكتاب والمحررين.
وماذا يحمل هذا الحدث من دلالة على تفاعل الليبيين مع ما يسمى "القضية الأمازيغية"؟ لقد سبق أن قلت في مقالة (شق الغمة) أن معظم الليبيين يقابلها بالتجاهل مع قليل من الضحكات الصفراء. وقلت أيضا أن الأمازيغية ستنعم بالتجاهل طالما أن دعاتها شركاء في سوق المسكنات من طراز "كلنا كذا وكذا"، والتي تمت آخر صفقاتها عن طريق عرض هاتفي وشراء بعملة "مجلتنا الغراء."
هذه عينة من واقع الإعلام الليبي الذى تمثله مجلة الحقيقة إدارة وكتابا وقراء: واقع الإنفصام بين المجلة وجمهورها، بين المحررين والمواد التي يحررونها، بل إنفصام حتى بين الكتاب وما يكتبون. بإختصار، الإعلام الليبي، مثله مثل أي جانب آخر من الثقافة الليبية، رداءة يغمها الرياء، أو كتلة من الفتات والشتات ملفوفة بغشاء من النفاق والمجاملات.
--ضمير مستتر
عضو مؤسس، التجمع الكوني للتحزمات الكرنافية (تكتك)
أرجو أن تسمح لي بإبداء بعض الملاحظات والآراء، منها تعقيبات على ما ورد في حوارك مع السيد صالح منصور بخصوص مجلتكم، ومنها ما يتعلق بجوانب أخرى من المجلة، قد تكون عينة ممثلة لبعض معالم الركاكة المتفشية في الإعلام الليبي بشكل عام. لا أخفيكم سرا أنني أميل إلى نبش التفاصيل، وقد ترى يا سيد عيسى أن أسلوبي يميل أحيانا إلى السخرية والتهكم، وهو رأي صحيح، ولكن ينحصر الهدف في دائرة ما ظهر من أعمال وأقوال وليس الهدف تجريح الأشخاص أو رجمهم بالغيب أو إجتياح حرماتهم. وأرجوكم المعذرة على طول هذه الرسالة وعلى كثرة تفاصيلها، ولكن، كما يقال، "لو كان وقتي أطول، لكانت رسالتي أقصر."
أولا، من باب التذكير، أقول أنني راسلتك سابقا مع مجموعة من كتاب مجلة "الحقيقة،' في سبتمبر الماضي تحديدا، برسالة (حصر الحقيقة بين السقيطة واللقيطة.) وفي تلك المناسبة لم يفاجئني صمتكم أوتجاهلكم، إدارة وكتابا، بقدر ما أكد نظرتي تجاه مجلتكم التي تدعي أنها (مصفاة النخبة) وأنها مجلة (أكبر الأقلام الليبية.) طبعا، لا يعقل أن نحملك مسؤولية إدارة المجلة قبل إحكامك بزمام التحرير وإصدار الأعداد ٩-٢١، لكننا نستغرب كيف فاتكم أن تبدلوا عبارة (أكبرالأقلام) بعبارة (أعظم الأقلام)، خاصة بعد أن توفرت تحت إدارتك للمجلة خبرات عملية معلنة في صناعة التعظيم والخدمات الشفهية.
فلنلتفت إلى ردك تحت عنوان (وجهة نظر) على ما كتبه السيد صالح منصور تحت عنوان (في رحاب الحقيقة ١)، وقد نشرت براكة (أخبار ليبيا) الرد والمقال بتاريخ ٤١\٣\٥٠٠٢.
موجز الحوار أن السيد صالح منصور إنتقد مجلة الحقيقة بناء على مقالة سابقة بقلم السيد عيسى، ولذلك إحتج الأخير على خلط الأول بين الآراء الشخصية والتصريحات الرسمية. ولا شك أن الفصل بين الآراء الشخصية والمواقف الرسمية مطلب عقلي سليم. ثم لا شك --عندي--أن مقالة السيد عيسى التي إستند عليها السيد صالح لا تشكل--بمفردها--جسرا منطقيا سليما أو مبررا لخلطه الصريح. ولكن المسؤولية في الفصل تقع عليك يا سيد عيسى قبل غيرك، ولايعقل أن تسبق غيرك للإلتزام بمباديء لم تراعيها.
مثلا، أنظر يا سيد عيسى إلى مقالة أخرى بقلمك، سبقت مرجع السيد صالح، وهي مقالة بعنوان (خطاب البحث عن الثوب) المنشورة على العنوان التالي:
هذه المقالة--في نظري-- تعبر عن رأيك الشخصي ولا تدور في فلك مسؤوليتك الرسمية كمحرر لمجلة (الحقيقة.) ولكنك خلطت الأمور عندما ذيلت المقالة بتصريح رسمي يتحدث عن قيم المجلة وما سميته "هدفها الذي لن تتخلى عنه." فهل هناك حقا أي إرتباط موضوعي بين تعليقك الشخصي على خطاب القذافي (أو حتى قفاطينه) وبين أهداف مجلة الحقيقة وإلتزاماتها؟ وهل بإمكانك أن تبين السبب في ردم تصريحك الرسمي تحت رأيك الشخصي؟ المتتبعون لأمور ومواقف مجلة (الحقيقة) يجب أن يتم إعلامهم بطريقة مباشرة، واضحة، ومستقلة. وإفتراضك أن جميع من يتتبع أخبار المجلة سيقرأ بالضرورة آرائك الشخصية، هو إفتراض غير مبرر على الإطلاق، ولا يقوم على أساس منطقي، إنما يقوم على الخلط الضمني بين دورك الشخصي ودورك الرسمي، ويمثل، بطبيعة الحال، دعوة للآخرين أن يحذوا حذوك. وبالمناسبة، أضيف صراحة أن إفتراض تعميم التصريح رغم إقترانه برأي شخصي قد يعبر عن نوع من التكبر أو التهرب من المسؤولية.
ورد في مقالة السيد عيسى:
وقد كنا قبل فترة بسيطة نعاني من معضلة أن ما يكتب على صفحات الوسائط
الإعلامية لا تتحمل هي بالضرورة مسئولية فحواه (ما لم تشر الى ذلك) بل
مسئوليته تقع على كاتبه٫٫ ورغم بديهية النقطة السابقة فها نحن ننتقل ـ حسب
المقال ـ للكلام عن أن أي حديث٫٫ في أي مكان٫٫ تتحمل الجهة التى يعمل معها
كاتبه مسئولية فحواه ولو لم ينشر باسمها ولا على صفحاتها٫٫ وبهذا أتصور
أننا سنخرج خارج إطار المعقول والمقبول٫٫
وهنا لنا وقفات.
أولا، الرأي المنصوص أعلاه يبدو كالجهل المغلف بالبديهية، والغلاف الشفاف قد يحول دون اللمس ولكنه لا يخفي ما بداخله! من المعلوم يا سيد عيسى أن هناك سلاسل مسلسلة من القضايا القانونية التي لاحقت الجهات الناشرة بسبب ما نشرته، منها ما فشل ومنها ما نجح. مثلا، ربما تذكر قضية سيف القذافي ضد الصحيفة الإنجليزية، أي ضد الناشر.
مسؤولية النشر في نظر القانون ليست مسألة بديهية على الإطلاق، وحسب علمي، لاتوجد قوانين "دولية" تحدد المسؤولية في النشر، بل لكل بلاد عزاها. وحيث أن مسؤولية الإعلام المبث (راديو، تلفزيون) لا تتساوى عادة بمسؤولية الإعلام المطبوع (كتب، جرائد، إلخ) هناك صعوبات عديدة أمام ضبط هذا الوسط الجديد الذي يجمع بين خواص الأوساط التقليدية. عمليا، قوانين النشر على الإنترنت تعتبر تحت التطوير. ولكن الجهة الناشرة ليست معفية من المسؤولية، ولا محصنة، وإلا لأسقطت جميع الدعاوي ضد "الوسائط الإعلامية" تلقائيا، أو قل بديهيا! تفضل بقراءة المثال التالي عن قضية ضد شركة Prodigy التي ثبتت عليها المسؤولية لآنها أخذت على نفسها مهمة التحرير، رغم أنه تم آليا\ تلقائيا، فما بالك عن مجلة يحررها طاقم إداري معلن عن دوره ومسؤوليته مسبقا! المصدر:
ثانيا، عملية خلط الأمور الشخصية بالأمور الرسمية هي عملية متكررة من طرف مجلتكم، ولم تنحصر فيما بدر من جانبك. مثلا، لاحظنا أن من
عادة السيد طارق القزيري إشهار إرتباطه بمجلتكم ضمن مقالاته التي ينشرها خارج المجلة. كيف للقاريء أن يترجم عرض عنوانكم الرسمي تحت مقالة منشورة خارج مجلتكم؟ ألا يمثل العنوان إشارة إلى وقوع المقالة في مجال إرتباط كاتبها بالمجلة؟ وإن تحولت مجلتكم إلى وحدة خدمات بريدية توفر العناوين للأغراض الشخصية، فبإذنكم نسأل: بالله ما نحصلوش منكم عنيوين نطرحوا فوقه قرابيجنا؟
البديهي والطبيعي، يا سيادة المحرر، أن كل ما يحمل إسم أو شعار أو أي رمز رسمي لمجلة "الحقيقة" بعلم إدارتها فهو جزء من مهمتها الرسمية. وحيث أن عنواين البريد الشخصية متوفرة مجانا من مصادر مستقلة، لا توجد أي ضرورة تدفع بكتابكم إلى الإتكال على عنوانكم الرسمي، إلا أنهم يغرسون تلك المقالات في حيز أعمالهم الرسمية، وبذلك يشركون المنظمة في جني الرطب وكنس العفط! وأي منظمة لا تعمل على تحصين إستقلاليتها ضد أثقال الحشم والشللية، هي في نظري مجرد حزب أو عصابة تجرها العواطف والعصابية ولا يقودها العقل والإلتزام بمباديء الجودة والإتقان المهني.
من الواضح، ولا أقول بديهي، أن مجلتكم سباقة في الخلط بين ما هو رسمي وما هو شخصي. ومن الواضح أيضا، مع إحترامي لأشخاصكم، أن خبرتكم المهنية ضحلة جدا، سواء في مجال الصحافة أو خارجها. فكل من يمارس عملا في جهة منظمة يعلم أن الفاصل بين الشخصي والرسمي سيف بحدين: لا يجوز للسيد صالح أن يلبّس آرائك للمجلة بدون مبرر؛ وقبل ذلك، لا يجوز للعاملين بالمجلة أن يتلبسوا بشعارها عندما "يدرسون خارج القاعة."
ذكرت يا سيد عيسى ضوابط وقوانين دولية في مجال النشر والإعلام، فأي "القوانين الدولية" أو حتى الأعراف يخول الكتاب والمحررين أن يحشروا تصريحاتهم الرسمية أو أن يشهروا إرتباطهم المهني في سياق إدلاءات شخصية بحتة، خارج حدود العمل؟ وأي أعراف تبرر إزدواجية معاييركم في التعامل مع بريد القراء؟ لماذا ترفضون ما يعارضكم في حين أنكم لم تتراجعوا في نشر ما لا يمت للمجلة بصلة، كشعر من العراق، أو إحتجاج على إسم المجلة من أحد الخرافين، بل أنكم لم تتراجعوا حتى في العودة على بريدكم المدفون لتنتقوا منه مايمكن إستثماره في سوق المقايضات-- راجع: مقايضتكم مؤسسة تبرة تحت غطاء تصحيح في العدد العاشر لآخطاء وردت في العدد السابع! ومن يدري، ربما في السنوات القريبة القادمة يأتي دور رسالتي التي وصلتكم قبل صدور العدد الثالث!
في ختام "حصر الحقيقة،" ذكرت أن حقيقتكم مجهضة بنفاق القائمين عليها قبل قصرهم، وكنت قد بينت فيها ما خالفه محررها السابق من عهود. وفي ختام هذه الرسالة سأتناول مثالا يبين جانبا من قصر القائمين على المجلة، عسى أن يعود ذلك بالنفع عليهم وعلى غيرهم من هواة الإعلام والثقافة.
في غضون ولاية السيد عيسى على التحرير، نشرت المجلة مجموعة من المقالات بعنوان "تاسكلا،" يقول كاتبها أنها تتناول الأدب الأمازيغي، ويقول أنه شارك بها في "مجلتكم الغراء"، حسب تعريفه، إستجابة لطلبكم عبر مكالمة هاتفية. في الظاهر، تأتي هذه المقالات على شكل سلسلة من ثلاثة حلقات على الترتيب التالي:
http://al-haqiqa.com/nov04/adabtwo.htm
http://www.al-haqiqa.com/jan05/adabtwo.htm
http://www.al-haqiqa.com/mar05/adabtwo.htm
ولكن الأجزاء المنشورة لا تشكل سلسلة بمعنى الكلمة لأن ثانيها مجرد صورة مطابقة لأولها! لازال ذلك التكرار قائما منذ إصداره العدد العاشر
في يناير الماضي، أي ما يزيد عن أربعة أشهر. في هذه الفترة، قرأ المجلة من قرأ، وأصدرتم عددا أضفتم فيه حلقة جديدة من سلسلة "تاسكلا" بدون تصحيح ما سبق، وكتبتم ما كتبتم أفرادا وجماعات عن الإعلام والثقافة، وطالبتم بمواثيق الشرف، ونقلتم لنا مانهلتم من مرابيع الرشف، وأشرتم إلى ما أشرتم من إعوجاج في الرقاب، و و و. ولكن تبقى الحلقة الثانية من سلسلة "تاسكلا" حلقة مفقودة، تحل محلها صورة مكررة من الحلقة الأولى إلي تاريخ اليوم.
أين المراجعة ومسؤولية التحرير، وأين الجودة التي تشترطون أن تكون متوفرة في رسائل القراء؟ أربعة أشهر إنقضت ولا أحد ينتبه إلى سقوط حلقة من سلسلة في سلة الإهمال. في هيكل المجلة هناك طبقات إدارية مفصلة، من "رئيس تحرير" إلى "مدير تحرير"، إلخ، ولكنكم جميعا "رؤوس وأعيان" وحملة ألقاب، ولا يوجد بينكم عمال وحملة مسؤولية. وأشدد على أن مثال "تاسكلا" لا يمكن أن يبرر بغطسه في بركة "سقط سهوا،" لأنها بركة مزدحمة أصلا، ولو أردنا أن نعرض ما فيها فلن نجد ما يكفي من الوقت، ولذلك إكتفينا سابقا بالقول أن الموقع من حيث الإخراج الفني يمكن أن يستدل به لإصطلاح إسم جديد في عالم الإنترنت، كبديل لإسم "شبكة،" ألا وهو إسم "غفة" أو "لحية". القصر المتمثل في إخراج ونشر سلسلة "تاسكلا" لا يمكن أن يعزى إلى هفوة أو سهوة عابرة لأنه يحمل دلالات عديدة على نطاق أبعد وأوسع من دائرة الأداء التقني البحت.
خارج نطاق المجلة، نوجه اللوم إلى من كتب تلك الحلقات وقدمها لمجلته "الغراء" ثم لم يكلف نفسه حتى التأكد من نشرها سليمة كاملة. يالها من غراء هذه المجلة التي لا يهتم بها حتى كتابها! وأضف إلى ذلك أن مدير مؤسسة تاوالت العرقية ( السيد محمد عاشور) كان ضيفا لديكم في العدد العاشر، وقد نقلت مؤسسته مقالة "تاسكلا" المكررة ونشرتها دون أن تعي تكرارها وضياع أختها. والسبب في تغفل ذوي الهوية أنهم "عكعك مايقروش" بل ينظرون للمقال كشعار يلبس أو علم يلوح ثم يردم، وليس كمادة تحرر لتقرأ وتمحص وتنخص وتبربش ثم تهضم.
ماذا يحمل هذا الحدث من دلالة على تفاعل الجمهور مع مجلتكم؟ في نظري، هذا دليل آخر على إدعائي في رسالتي الأولى بإن تفاعل الجمهور مع مجلتكم يقع بين التجاهل والفتور، كما يؤكد هذا الحدث أن التجاهل لا ينحصر في القراء بل ينتشر حتى بين الكتاب والمحررين.
وماذا يحمل هذا الحدث من دلالة على تفاعل الليبيين مع ما يسمى "القضية الأمازيغية"؟ لقد سبق أن قلت في مقالة (شق الغمة) أن معظم الليبيين يقابلها بالتجاهل مع قليل من الضحكات الصفراء. وقلت أيضا أن الأمازيغية ستنعم بالتجاهل طالما أن دعاتها شركاء في سوق المسكنات من طراز "كلنا كذا وكذا"، والتي تمت آخر صفقاتها عن طريق عرض هاتفي وشراء بعملة "مجلتنا الغراء."
هذه عينة من واقع الإعلام الليبي الذى تمثله مجلة الحقيقة إدارة وكتابا وقراء: واقع الإنفصام بين المجلة وجمهورها، بين المحررين والمواد التي يحررونها، بل إنفصام حتى بين الكتاب وما يكتبون. بإختصار، الإعلام الليبي، مثله مثل أي جانب آخر من الثقافة الليبية، رداءة يغمها الرياء، أو كتلة من الفتات والشتات ملفوفة بغشاء من النفاق والمجاملات.
--ضمير مستتر
عضو مؤسس، التجمع الكوني للتحزمات الكرنافية (تكتك)
0 تعليقات:
إرسال تعليق
عودة إلى المدخل