ديوان‮ ‬‮ ‬‮رفــ الحصانة ــع ‬

2005-04-15

من الأرشيف... فشخ الدحية على رؤوس الملتحية

نشر هذا المقال أصلا بقلم: حسان بن سنفاز بتاريخ ٢ أغسطس ٢٠٠٢

تدور رحاة الملتحية هذه الايام على محور جديد من محاور التضليل، سعيا لإعزاء شلل المجتمعات االإسلامية وتغيبها عن المسيرة الحضارية إلى ما يسمونه بالعلمانية. فيقتضبون شعارات العصابات الحاكمة ويجعلون منها مؤهلات وأدلة على علمانيتها، ثم يقفون على حطام تلك العصابات ليعلنوا فشل العلمانية بالجملة. والتضليل في دعواهم أنها قائمة على باطل وهادفة إلى إرجاح الكيل بهزل البديل. نعم، إن غاية الملتحية بعيدة عن جذور فشل العصابات الحاكمة، بل الهدف هو نقل ذلك الفشل إلى أعناق خصومهم للتنكيل بهم وبمناهجهم. ولذلك يجب علينا ألا نكتفي بما يظهرون، بل نذهب إلى أبعد من ذلك ونمعن النظر فيما يقتضبون. وعلى سبيل المثال، نذكر هنا المقولة الشهيرة المنسوبة إلى عمر بن الخطاب حين سأل عمرو بن العاص مستنكرا، "متى إستعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا؟" وهذه المقولة يستدل بها كثيرا من الناس كرمز للمساواة التى يفترضون أنها سائدة تلك الأيام. ولكننا إن نظرنا بموضوعية، لوجدنا الداء في الخفايا. ذلك أن تقدير الكلام بمنطق الواقع المعاصر يجب أن يكون، "لا مانع لدينا أن تستعبدوا أولاد العبيد، ولكن متى..." حذار من إقتضاب الملتحية!

بعيدا عما رسى عليه بقية البشر من أن العلمانية تعنى لا دين للدولة ولا دولة للدين، لازال الملتحية يسبحون في بحار التيه. فهم يساوون العلمانية بما يسمونه "الكفر" و"الردة" وما إلى ذلك من مصطلحات الفنون القبيحة التي يحددون أسسها منهم وإليهم، ثم يغوصون فيها ويعمهون. ذلك لأن الملتحية لا يسمحون بفردية العقيدة وخصوصيتها، وإنما يرون العقيدة كقناة رابطة ملزمة تمكن البشر من بث السموم وإستعباد بعضهم لبعض. والحقيقة الملموسة، التي يتجاهلها الملتحية، أن العلمانية لا تتجسد في رفض أو معارضة لأي دين بعينه، بل تتجسد في إلزام مؤسسات الدولة بـمبدأ "عمى العقائد،" ونريد بذلك نوع من الحياد مثل حياد عمى الألوان. ولهذا ليس من الشذوذ أن يعيش في الدولة العلمانية بعض الناس ممن يدينون بهذا الدين أو ذاك، أو يظهرون بلون أو بآخر، فتلك خيارات شخصية، وللناس في أربابهم شؤون. ولكن الغريب أن بعض هؤلاء الناس يتجاهلون الفوائد الملموسة التي تعود عليهم أفرادا وجماعات في ظل العلمانية، أينما تنمو حرية العقائد لكافة البشر، مصانة من طغيان الأغلبية، وحق مكفول للبشر بفرض عمى العقائد على الدولة.

وكثيرا ما نجد الملتحية يتبعون سنة المضلين في الإستدلال بأ نصاف آراء الخصوم، أي بشهادة أعور من أهلها. فنجد بين صفوفهم فريق "حملة الآسفار" المتخصصين في إستهلاك القضب المستورد والعاملين دوما على جمع ما تيسر من أدب "شوفوا ديننا ماكويسته في عينهم". وفي إستدلالهم السطحي الركيك يستغفل الملتحية إستنكار المثل الذي يقول: لو كان يحرث ما باعوه. فلو أن أهلها، من العور ومعتدلي البصيرة، جنوا خيرا من سلطان الغيب على الدولة، لما ركنوه في خانة السحر والتطير. ذلك لأن تلك الأنظمة الخرافية تعمل على كبح العقل البشري بلجام عصابات السمو العقائدي. وكذلك في الإتجاه المعاكس، لو كان في إنحياز الدولة للدين خيرا، لترعرع موسى في قصر فرعون. ولو أن الملتحية رأوا أن الإستبداد هو الوليد الحتمي لقران السلطة بالسموّ المطلق، لما وقعوا في الخلط بين فشل العصابات العقائدية وبين مفهوم عمى العقائد كمدخل إلى سبيل العدل والمساواة.

إدعاءات الملتحية بعلمانية الأنظمة الفاشلة هي إدعاءات باطلة لإنها تقوم على الحكم بالتجاهل. ماذا يرى الملتحية من خصائص العلمانية في الأنظمة الفاشلة سوى الشعارات؟ وإذا جردنا هذه الأنظمة من شعاراتها، ثم نظرنا إلى حقيقتها العملية، فهل نجدها عممت الحقوق بالحياد، أم أنها عصابات وأدت العدالة تحت نفايات السمو العقائدي؟ والعدل والإحسان إننا لنحار في أمر أولئك الملتحية! فهم يرون في الطغاة حيادا، ونحن لانرى إلا أنهم عصابة جديدة تكرر جريمة قديمة وتبررها بنفس المبررات الهالكة. فمتى وأين عاشت العلمانية في دوائر السلطة بالعالم الإسلامي حتى تنجح أو تفشل أو يدور الصراع بينها و بين اللحوية أو غيرهم؟ ولو كانت الشعوب الإسلامية تعيش تحت حصانة العلمانية فما الذي جر الملتحية إلي ملاذ علمانية الغرب؟ أليس أولى بهم وأقرب لهم أن ينعموا بحرياتهم في ظلال علمانية ديارهم؟ عجبي على قوم يقذفون الغولة من حضن سلاّل القلوب!

إن فشل المجتمعات الإسلامية لا يعزى للعلمانية ولا يمت لها بصلة. العلمانية كما يعشقها المعارضون، بما فيهم الملتحية، لاتوجد في العالم الإسلامي على الإطلاق. وفشل تلك المجتمعات يعزى لمناهج وعوامل أخرى متواجدة منذ قرون، قد تختلف في مظهرها وفي خطابها، ولكنها تتشابه في البنية لأنها قائمة على نفس الأسس وهي مباديء التفوق والسمو العقائدي الغير ملموس. الصراع التاريخي لم يشمل العلمانية، وإنما هو صراع توالت فيه عصابات السمو على هدم كراسي الحكم ولذلك لم تألف تلك المجتمعات التعددية الآنية، ولم تتطور نظم حكمها، ولم ترث إلا حطاما.



-----------

ملاحظة: من باب التعريف نريد أن نبين معنى "الملتحية" (أو اللحوية، ومفردها لحوي، على وزن وحوي يا وحوي). نخص بهذا اللقب طوائف من الناس تصبو لإستعباد باقي البشر بما يروه ملزما من عقائدهم الإسلامية بشتى ألوانها. لا ينطبق لقب الملتحية بالضرورة على كافة المسلمين. ذلك لأننا لا نتبع طريقهم اللامنطقي في التعميم، كنعتهم لكافة اليهود في كل مكان وزمان بأنهم ذوي نفوس شريرة وأنهم أحفاد القردة والخنازير، وغيرها من الإهانات التي لا يسلم منها أحياء ولا أموات ولا حتى من هو آت. ونؤكد أنه لا يشترط على أعضاء عصابات الملتحية أن يكونوا ذكورا. فعلى الرغم من تواجد المؤهلات البدنية للإلتحاء لدى بعض النساء، إلا أن مؤهلات العضوية ليست بدنية إطلاقا، بل هي فكرية بحتة. وبما أننا نرفض حتمية نقصان عقول النساء، فإن تحديدنا لمؤهلات العضوية يأتي مؤكدا لمبدأ تساوي الفرص

2005-04-14

من الأرشيف... رفع الخوافت عن الدوائر والثوابت



نشر هذا المقال أصلا بقلم: العجّاج بن فرجار بتاريخ ١٨ أغسطس ٢٠٠٢

كلمات "ثوابت الأمة" لها وقع غريب على من يعاملون الطبيعة بالتجربة ولغة المنطق، ولذا فهي تسبيحات مأثورة لمن يغازلون العاطفة بالخيال ولغة الغيب. تتردد هذه التمتمة بكثرة في خطاب الملتحية، أينما يسود النقل على العقل ويغلب الصدى على الهدى. ولا نفهم ما تعني لهم كلمة الثوابت.

أولا، رأينا أن لهم ولعا شديدا بالحساب والموازين، فحسبناهم يريدون بالثوابت والمتغيرات ما عهدناه في مصطلحات لغة الجبر والمعادلات. ولكننا لم نعهد جبرا لإنشقاقهم ولا معادلا لنفاقهم. ثم إنتبهنا إلى أن جموعهم تسمى تيارات، فقلنا لعل لسانهم في المتغيرات والثوابت مصاب بمس من الكهرباء. أو ربما يعنون الثوابت الطبيعية مثل ثابت الجاذبية ونسبة محيط الدائرة إلى قطرها. ولكن مفهوم ثبات المقادير الطبيعية هو مفهوم نظري في إطارإفتراضي محدد، ولا يوجد لتلك المقادير ثباتا في الطبيعة العملية. ثابت الجاذبية على كوكب الأرض لا يساوي نظيره على القمر حتى من الجانب النظري. ومن جهة أخرى، مقدار ثابت الأرض بقياس أحد ما لا يساوي بالضرورة مقداره بقياس آخر، بل أن كل القياسات تعد تقريبات متفاوتة للثابت النظري المثالي. وكذلك الحال في تناسب القطر والمحيط.

إذاً، "الثوابت" مفاهيم نظرية بحتة. وفي الجهة العملية، لا ثابت إلا ما ثبت بالإتفاق. ذلك أن الثبات العملي هو ثبات عرفي، لا غير، ولذلك فهو مؤقت ومصطنع لسد حاجة محدودة. وإذا نمت الحاجة وتغيرت فلابد للثابت أن يتحرك ويسبح في بحر البقاء، وإلا فلن يفلتن من الجمود في قبضة اللاجدوى.

والملتحية يولعون بالموت إلى درجة أنهم يقلبون الآية فيجمدون الأعراف ليجعلوا منها ثوابت. ولذلك قد تظهر ثوابتهم على أشكال حية ولكنها في الحقيقة أعراف محنطة، جامدة متحجرة، فارقتها الجدوى منذ زمن قديم. ومن بين مجمداتهم نجد حق تعدد الزوجات و حق إستعباد البشر، وثبات الأرض في مسبح الفلك، ونقصان عقل الإناث، وغيرها. وما تلك الضلالات إلا أعراف محلية، عاصرها الملتحية القدامى في زمانها ومكانها، ثم حنطوها في إطارأبدي محكم على أعناق البشر، يقيدون به حرياتهم ويجرونهم كالخراف أينما يشتهون. ومما يحار في فهمه العقل نشير إلى ثبات تواجد كائنات حية في عالم موازي لعالمنا ومتصل به عن طريق صمام أحادي المسار، مثله مثل بوابة هوتيل كاليفورنيا، ولذلك لا يظهرون لأعين العوام إلا من خلال عدسات هوليوود. وعلى رف آخر في ثلاجة الثوابت نجد قابلية الأحلام للتأويل، أي بمعنى أن الأحلام تحتوي على نبوّات مشفّرة لا يقدر على تأويلها إلا من يجيد لغة الجن. ولاشك أن شركة ميكروسفت تعمل جاهدة على كسر تلك الشفرة في سبيل إحتكار تجارة تأويل الأحلام في الشرق الأوسط.

ولكن، من وجهة نظر علمية، ربما كان أعجب الثوابت هو ثبات عدد الأشهر في إثني عشر! نعم، عدد الأشهر = 12، هي مساواة يقال أنها أزلية وصالحة إلى الأبد في كل مكان. وحيث أن هذا الثابت يدخل في دائرة العلوم الطبيعية، فالأولى بنا أن نقيمه بالمعايير العلمية قبل أن نعرض إلى خواصه السياسية.

لقد كان معلوما منذ القدم أن الشهر هو فترة مدار القمر حول الأرض، ولذلك فإن أي عدد من الأشهر القمرية لا يصلح أن يكون مرجعاً بذاته إلا من باب العرف، كأن نتعارف مثلا على أن فترة تسعة أشهر متتالية تسمى بإسم خاص وتوظف كوحدة قياسية لتسهيل حساب الأزمنة الطويلة. ولكن، من ذلك المنظار، لا نرى أي أفضلية ضرورية للعدد 9 على ما قاربه من أعداد أخرى، إلا إذا كانت الوحدة العرفية معنية لقياس فترات الحمل البشري. ولكن إذا كان الغرض قياس فترات حمل الخراف أو الأرانب، فلربما يفضل التعارف على عدد آخر. وهكذا، فأفضلية الأعراف دوما مقرونة بكفائتها في سداد الحاجة. ومن هنا نخلص إلى أن العدد العرفي 12 لا يحتمل التفضيل على غيره إلا فيما يسد حاجة محددة. ولذلك فلا يعقل أن يكون هو العرف الأمثل لسداد كل الحاجات، في كل مكان وزمان. ولو كان كذلك، فماذا يفعل الناس على كواكب لا أقمار لها، أو على كواكب عديدة الأقمار؟ لا أفضلية ولا صلاحية لثابت الحجاز في تلك المساكن.

إذا، عدد 12 ليس منزها بذاته وإنما هو منزه بسداده لحاجة قياس فترة أخرى ذات مرجع خارجي. وقد خبر الناس منذ القدم أن دورة المواسم تستغرق من الوقت ما يقارب ولكن لا يساوي 12 دورة قمرية. ولذلك ثابت الأشهر لابد أن يؤخذ كثابت عرفي تقريبي، وإن كان قد ثبت بأسلوب إملائي. وهكذا فهو أقل كفاءة من الأعراف التى سلفته في عديد من الأمم، والتي تقضي بإضافة شهر مرة في كل بضع سنوات لكي ترسخ الأشهر على دائرة المواسم فتصلح كمراجع لتحديد أوان الحرث والحصاد وربما حتى جباية الضرائب. و كانت تلك الحلول التقريبية السالفة متبعة بأساليب متشابهة لدى العديد من المجتمعات العتيقة مثل الهنود و الصينيين واليهود، وكذلك العرب القدامى. ولكن، عندما إنتشر في الحجاز حلا جديدا، لم يتطرق صاحبه إلى أفضلية الجديد في سداد الحاجة العملية القديمة، وربما كان ذلك تجنبا لإزاحة النظر عن فشله الحتمي في ذلك. بل أن إجتناب تبرير الحلول التقريبية من واقع عملي، إلى جانب نعت البديل السابق بالكفر والتضليل، ينم عن دوافع سياسية لا علاقة لها بالظاهر المحسوس.

نحن نرى أن تثبيت عدد الأشهر كان يرمي إلى سد حاجة سياسية، غير معلنة، وذلك بتدوير الأشهر على حلقة المواسم لكي لا يثبت شهر الصوم في ذروة الرمض. وهذا التيسير، أو قل هذا التواب، هو نوع من التنازل السياسي الذي ينجم عادة عن الدكتاتوريين إذا ناهز سلطانهم عشرين عاما. وهو حل تقريبي، أو حل وسط بين نسخ الأساس، وما يمثله ذلك من إقصاء لليمين، وبين الإستمرار في سبيل الإستبداد، وما يمثله ذلك من إقصاء لليسار. وحيث أن تلك الحاجة السياسية تلاشت، فليس من الغريب أن هذا النظام لا يعمل به اليوم إلا في حيز ضيق وبإسلوب مفتعل. ذلك لأن الحاجة تغيرت، وفي عالم الأعراف البقاء للأجدى.

خلاصة القول أن الملتحية يخلطون بين الثوابت النظرية والأعراف المحنطة. وحيث أن دعواهم قائمة على قلب الآية، فهم يغضون النظر عن الجدوى والكفاءة العملية في تقييم الأعراف، ويعالجون بالغيب ما ظهر من بطلان محنطاتهم. يقولون أنهم يدعون لتحكيم الثوابت. ونقول هنيئا لهم، لقد أفلحت دعواهم، وإن حكامهم لثابتون
.